للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلطان المغرب صائر إليه بعد مهلك أبي عنان. وشاع ذلك على ألسنة الناس وذاع وتحدّث به السمّر والندمان، وخشي منصور على نفسه لذلك، فجاء إلى الوزير الحسن وشكا إليه ذلك، فانتهره أن يختلج بفكره هذا الوسواس انتهارا خلا من وجه السياسة، فانزجر واقتصر. ولقد شهدت هذا الموطن، ورحمت ذلّة انكساره وخضوعه في موقفه. ورحل الوزير مسعود في التعبية وأفرج أبو حمّو عن تلمسان، ودخلها مسعود في ربيع الثاني واستولى عليها. وخرج أبو حمّو إلى الصحراء، وقد اجتمعت عليه جموع العرب من زغبة والمعقل. ثم خالفوا بني مرين إلى المغرب واحتلوا بانكاد بحللهم وظواعنهم، وجهز إليهم مسعود بن رحّو عسكرا من جنوده انتقى فيه مشيخة بني مرين وأمراءهم، وعقد عليهم لعامر ابن عمّه عبّو بن ماسي [١] ، وسرّحهم فزحفوا إليه بساحة وجدة، وصدقهم العرب الحملة، فانكشفوا واستبيح معسكرهم، واستلبت مشيختهم، وأرجلوا عن خيلهم، ودخلوا إلى وجدة عراة. وبلغ الخبر إلى بني مرين بتلمسان، وكان في قلوبهم مرض من استبداد الوزير عليهم وحجره لسلطانهم، فكانوا يتربّصون بالدولة. فلما بلغ الخبر وحاص الناس لها حيصة الحمر، خلص بعضهم نجيا بساحة البلد، واتفقوا على البيعة ليعيش بن علي بن أبي زيّان ابن السلطان أبي يعقوب فبايعوه.

وانتهى الخبر إلى الوزير مسعود بن رحّو، وكان متحيّنا السلطان منصور بن سليمان فاستدعاه وأكرهه على البيعة، وبايعه معه الرئيس الأكبر من بني الأحمر، وقائد جند النصارى القهردور [٢] ، وتسايل إليه الناس، وتسامع الملأ من بني مرين بالخبر، فتهاووا إليه من كل جانب. وذهب يعيش بن أبي زيّان لوجهه، فركب البحر وخلص إلى الأندلس، وانعقد الأمر لمنصور بن سليمان. واحتمل بني مرين على كلمته، وارتحل بهم من تلمسان يريد المغرب. واعترضهم جموع العرب في طريقهم فأوقعوا بهم، وامتلأت أيديهم من أسلابهم وظعنهم. وأغذّوا السير إلى المغرب، واحتلوا بسبّو في منتصف جمادى الأخيرة، وبلغ الخبر إلى الحسن بن عمر فاضطرب معسكره بساحة البلد. وأخرج السلطان في الآلة والتعبية إلى أن أنزله بفسطاطه. ولما غشيهم الليل انفضّ عنه الملأ إلى السلطان منصور بن سليمان، فأوقد


[١] وفي نسخة ثانية: ماساي.
[٢] وفي نسخة ثانية: القمندوز.
ابن خلدون م ٢٦ ج ٧

<<  <  ج: ص:  >  >>