للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحينه أبا القاسم الشريف من أهل مجلسه لاستقلاله، فوصل إلى الأندلس وعقد مع أهل الدولة على إجازة المخلوع من وادي آش إلى المغرب، وأطلق اعتقالهم الوزير الكاتب أبا عبد الله بن الخطيب، كانوا اعتقلوه لأوّل أمرهم لما كان رديفا للحاجب رضوان وركنا لدولة المخلوع. فأوصى المولى أبو سالم إليهم بإطلاقه، فأطلقوه. ولحق الرسول أبو القاسم الشريف بسلطانه المخلوع بوادي آش للإجازة إلى المغرب، وأجاز لذي القعدة من سنته. وقدم على السلطان بفاس وأجلّ قدومه، وركب للقائه، ودخل به إلى مجلس ملكه وقد احتفل ترتيبه [١] ، وغصّ بالمشيخة والعلية. ووقف وزيره ابن الخطيب فأنشد السلطان قصيدته الرائقة يستصرخه لسلطانه، ويستحثّه لمظاهرته على أمره. واستعطف واسترحم بما أبكى الناس شفقة له ورحمة، ونصّ القصيدة:

سلا هل لديها من محبّرة ذكر ... وهل أعشب الوادي ونمّ به الزهر

وهل باكر الوسميّ دارا على اللوى ... عفت آيها إلّا التوهّم والذكر

بلادي التي عاطيت مشمولة الهوى ... بأكنافها والعيش فينان مخضر

وجوّي الّذي ربّى جناحي وكره ... فها أنا ذا ما لي جناح ولا وكر

نبت بي لا عن جفوة وقلالة ... ولا نسخ الوصل الهنيّ لها هجر

ولكنّها الدنيا قليل متاعها ... ولذّاتها دأبا تزور وتزوّر

فمن لي بنيل القرب منها ودوننا ... مدى طال حتّى يومه عندنا شهر

وللَّه عينا من رآنا وللأسى ... ضرام له في كلّ جانحة جمر

وقد بدّدت درّ الدموع يد النوى ... وللبين أشجان يضيق لها الصدر

بكينا على النهر السرور عشيّة ... فعاد أجاجا بعدنا ذلك النهر

أقول لأظعاني وقد غالها السري ... وآنسها الحادي وأوحشها الزجر

رويدك بعد العسر يسر فأبشري ... بإنجاز وعد الله قد ذهب العسر

وإن تجبن الأيام لم تجبن النهى ... وإن يخذل الأقوام لم يخدل الصبر

وإن عركت منّي الخطوب مجرّبا ... نقابا تسوّى عنده الحلو والمرّ [٢]


[١] وفي نسخة ثانية: بزينته.
[٢] وفي نسخة ثانية: نفاقا تساوي عنده الحلو والمرّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>