للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(الخبر عن وفد السودان وهديتهم وأغرابهم فيها بالزرافة)]

كان السلطان أبو الحسن لما أهدى إلى ملك السودان منسا سليمان بن منسا موسى هديّته المذكورة في خبره، اعتمل في مكافأته وجمع لمهادات من طرف أرضه وغرائب بلاده، وهلك السلطان أبو الحسن خلال ذلك، ووصلت الهديّة إلى أقصى ثغورهم من الأرس [١] . وهلك منسا سليمان قبل وصولها. واختلف أهل مالي وافترق أمرهم [٢] . وتواثب ملوكهم على الأمر وقتل بعضهم بعضا، وشغلوا بالفتنة حتى قام فيهم منسا زاطة [٣] واستوسق له أمرهم ونظر في أعطاف ملكه، وأخبر بشأن الهديّة وأخبر أنّها بوالاتن فأمر بإنفاذها إلى ملك المغرب، وضمّ إليها حيوان الزرافة الغريب الشكل، العظيم الهيكل، المختلف الشبه بالحيوانات. وفصلوا بها من بلادهم فوصلوا إلى فاس في صفر من سنة اثنتين وستين وسبعمائة وكان يوم وفادتهم يوما مشهودا جلس لهم السلطان ببرج الذهب مجلس العرض. ونودي في الناس بالبروز إلى الصحراء، فبرزوا ينسلون من كل حدب حتى غصّ بهم الفضاء وركب بعضهم بعضا في الازدحام على الزرافة إعجابا بخلقتها وأنشد الشعراء في معرض المدح والتهنئة، ووصف الحال. وحضر الوفد بين يدي السلطان وأدّوا رسالتهم بتأكيد الودّ والمخالصة، والعذر عن إبطاء الهديّة بما كان من اختلاف أهل مالي وتواثبهم على الأمر، وتعظيم سلطانهم وما صار إليه. والترجمان يترجم عنهم وهم يصدّقونه بالنزع في أوتار قسيّهم عادة معروفة لهم. وحيّوا السلطان يحثون التراب على رءوسهم على سنّة ملوك العجم. ثم ركب السلطان وانفضّ ذلك الجمع وقد طار به الذكر. واستقرّ ذلك الوفد في إيالة السلطان وتحت جرايته، وهلك السلطان قبل انصرافهم، فوصلهم القائم بالأمر من بعده، وانصرفوا إلى مراكش وأجازوا منها إلى ذوي حسّان عرب المعقل من السوس المتّصلين ببلادهم. ولحقوا من هنالك بسلطانهم، والأمر للَّه وحده.


[١] وفي نسخة ثانية: إلى أقصى تخومهم من والاتن.
[٢] وفي نسخة ثانية: ملكهم.
[٣] وفي نسخة ثانية: منساجاطه.

<<  <  ج: ص:  >  >>