للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلفه من أهل رباط الشيخ أبي مدين كان جدّه قيّما على خدمة قبره ومسجده واتصل القيام على هذا الرباط في عقبه، وكان جدّه الثالث محمد معروفا بالولاية، ولما مات دفنه يغمراسن بالقصر القديم ليجاوره بجدثه تبرّكا به، وكان ابنه أحمد أبو محمد هذا قد ارتحل إلى المشرق، وجاور الحرمين إلى أن هلك وربّى ابنه محمد بالمشرق ما بين الحجاز ومصر. وقفل إلى المغرب بعد أن أسرّ أشياء [١] في الطلب وتفقّه على أولاد الإمام، ولما ابتنى السلطان أبو الحسن مسجد العباد ولّاه الخطابة به، وسمعه يخطب على المنبر وقد أحسن في ذكره والدعاء له، فحلا بعينه واستخلصه لنفسه وأحله محل القرب من نفسه [٢] ، وجعله خطيبا حيث يصلي من مساجد المغرب، وسفر عنه إلى الملوك، ولمّا كانت نكبة القيروان خلص إلى المغرب واستقرّ برباط العباد بجبل سلفه، بعد أحوال أضربنا عن ذكرها اختصارا.

ولما خلص السلطان إلى الجزائر داخله أبو سعيد صاحب تلمسان في السفارة عنه إلى السلطان أبي الحسن وصلاح ما بينهما فسار لذلك ونقمه أبو ثابت وبنو عبد الواد ونكروه على سلطانهم. وسرّحوا صغير بن عامر في اتباعه، فتقبّض عليه وأودعوه المطبق. ثم أشخصوه بعد حين إلى الأندلس فاتصل بأبي الحجّاج صاحب غرناطة.

وولّاه خطابته لما اشتهر به من إجادة الخطبة للملوك بزعمهم. وألف السلطان أبا سالم في مثوى اغترابهما من غرناطة، وشاركه عند أبي الحجّاج في مهمّاته. ولما نزل بجبال غمارة داخل بني مرين والوزراء في القيام بدعوته. وكان له في ذلك مقام محمود. فرعى السلطان وسائله وبوآته [٣] القديمة والحادثة إلى مقامه عند أبيه، فلما استوسق له ملك المغرب استخصّه بولايته وألقى عليه محبّته وعنايته، وكان مؤامره ونجيّ خلوته والغالب على هواه، فانصرفت إليه الوجوه وخضعت له الرقاب ووطئ عقبه [٤] الأشراف والوزراء، وعطف على بابه القوّاد والأمراء وصار زمام الدولة بيده. وكان يتجافى عن ذلك أكثر أوقاته حذرا من سوء المغبّة، ويزجر من يتعرّض


[١] وفي نسخة أخرى: بعدان شدا شيئا.
[٢] وفي نسخة أخرى: من مجلسه.
[٣] وفي نسخة ثانية: ووالاته.
[٤] وفي نسخة ثانية: عتبته.

<<  <  ج: ص:  >  >>