للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطرة، وعدا على سائر إخوته. وفرّ أخوه القمط ابن حظية أبيه المسمّاة بلغتهم ألريق (بهمزة) إلى قمط برشلونة فأجاره وأنزله خير نزل. ولحق به من الزعماء المريكس [١] ابن خالته وغيره من اقماطهم [٢] وبعث إليه بطرة ملك قشتالة في إسلام أخيه فأبي من إخفار جواره. وحدثت بينهما بذلك الفتنة الطويلة افتتح بطرة فيها كثيرا من معاقل صاحب برشلونة وأوطأ عساكره نواحي أرضه، وحاصر بلنسية قاعدة شرق الأندلس مرارا أرجف عليها بعساكره، وملأ البحر إليها بأساطيله إلى أن ثقلت على النصرانية وطأته وساءت فيها ملكته، فانتقضوا عليه ودعوا القمط أخاه فزحف إلى قرطبة. وثار على بطرة أهل إشبيلية وتيقّن صاغية النصارى إليه، ففرّ عن ممالكه ولحق بملك الافرنج وراء جليقية وفي الجوف عنها وهو صاحب انكلطرة، واسمه ألفنس غالس.

ووفد عليه صريخا سنة سبع وستين وسبعمائة فجمع قومه وخرج في صريخه إلى أن استولى على ممالكه. ورجع ملك الأفرنج فعاد النصارى إلى شأنهم مع بطرة. وغلب القمط على سائر الممالك فتحيّز بطرة إلى ثغوره مما يلي بلاد المسلمين. ونادى صريخا بابن الأحمر فانتهز فيها الفرصة. ودخل بعساكر المسلمين فأثخن في أرض النصرانية، وخرّب معاقلهم ومدنهم مثل أبدة وجيان وغيرهما من أمهات أمصارهم. ثم رجع إلى غرناطة، ولم تزل الفتنة قائمة بين بطرة وأخيه القمط إلى أن غلب عليه القمط وقتله.

وفي خلال هذه الفتن بقيت ثغورهم مما يلي أرض المسلمين عورة. وتشوّف المسلمون إلى ارتجاع الجزيرة التي قرب عهدهم بانتظامها في ملكة المسلمين. وكان صاحب المغرب في شغل عن ذلك بما كان فيه من انتقاض أبي الفضل ابن أخيه وعامر بن محمد، فراسل صاحب الأندلس أن يزحف إليه بعساكره على أنّ عليه عطاءهم وإمداده بالمال والأساطيل على أن يكون مثوبة جهاده خالصة له، فأجاب إلى ذلك وبعث إليه أحمال المال. وأوعز إلى أساطيله بسبتة فعمرت وأقلعت من مرسى الجزيرة لحصارها وزحف ابن الأحمر بعساكر المسلمين على أثرها بعد أن قسم فيهم العطاء وأزاح العلل، واستعدّ الآلات للحصار، فنازلها أياما قلائل. ثم أيقن النصارى بالهلك لبعدهم عن الصريخ ويأسهم عن مدد ملوكهم، وألقوا باليد وسألوا النزول على حكم السلم فأجابهم السلطان إليه، ونزلوا عن البلد وأقيمت فيها شعائر الإسلام


[١] وفي نسخة ثانية: المركش.
[٢] وفي نسخة ثانية: اقماصهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>