للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السعاية، وتقبّض عليه السلطان وأشخصه إلى غسّاسة، وركب منها السفين إلى ميورقة آخر ست وسبعين وسبعمائة فأقام بها شهرا ومخاطباته مترددة إلى الوزير محمد بن عثمان. ثم عطفته عليه رحم، فأذن له في القدوم، إلى المغرب والمقامة بغسّاسة فقدمها أوائل سنة سبع وسبعين وسبعمائة واستبدّ بإمارتها. وبدا له رأي في تأميل الوثبة [١] وظهر ما كان يخفيه لابن عمّه من المنافسة، فخاطب ابن الأحمر وراء البحر ولاطفه بالتحف والهدايا، فكتب إلى ابن عمّه محمد بن عثمان يحضّه على إعادته إلى مكانه دفعا لغوائله، فأبى من ذلك، وداخله ونزمار بن عريف في بعضها كذلك، فلح في الامتناع وحمل سلطانه على نبذ العهد لأبي بكر بن غازي، فتنكّر له وأجمع المسير إليه بعساكر العرب، فخرج من فاس سنة تسع وسبعين وسبعمائة وبلغ الخبر إلى أبي بكر بن غازي فاستجاش بالعرب وأحثّهم للوصول، فوصل إليه الأحلاف من المعقل، وسرّب فيهم أمواله، وخرج من غسّاسة فألقى بينهم نفسه، وعمد إلى بعض العرب الطارئين فنصّبه للأمر مشبّها ببعض أبناء السلطان أبي الحسن. وزحف إليه السلطان حتى نزل بتازى، فأجفلت أحياء العرب أمام العساكر من بني مرين والجند، ونجا ابن غازي معهم بدمائه. ثم داخله ونزمار بن عريف في الإذعان للسلطان عن شق الخلاف، فأجاب ووصل به إلى سدّة الملك، فبعث به السلطان محتاطا عليه إلى فاس فاعتقل بها. ونزلت مقدّمات العساكر بوادي ملويّة، وداخل صاحب تلمسان منها رعب، فأوفد على السلطان من قومه وكبار مجلسه ملاطفا مداريا، فتقبّل منه وعقد السلم، وأصدر به كتابه وعهده بخطّه، وانكفأ راجعا إلى حضرته بعد أن بثّ العمّال في تلك النواحي على جبايتها، فجمعوا له منها ما رضي. ولما احتلّ بدار ملكه، أنفذ أمره بقتل أبي بكر بن غازي فقتل بمحبسه طعنا بالرماح [٢] وذهب مثلا في الأيام، واستوسق للسلطان أمره. وأحكم العقد مع الأمير عبد الرحمن بن أبي يفلوسن صاحب مراكش، وتردّدت المهاداة بينهما بعض إلى بعض، وإلى صاحب الأندلس وإليه منهما فامتلأت المغرب هدنة وأمنا، وانبعثت الآمال بساطا وغبطة والحال متصلة على ذلك لهذا العهد آخر سنة إحدى وثمانين وسبعمائة أيام إشرافنا على هذا التأليف، والله مقدر الليل والنهار.


[١] وفي نسخة ثانية: الرتبة.
[٢] وفي نسخة ثانية: طعنا بالخناجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>