للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هنالك في ظلّ ظليل من كنفه فكان لهم به وثوب على ملك المغرب وكان الوزير القائم بها محمد بن عثمان يقدر له قدر ذلك كله فيجري في أغراضه وقصوده ويحكمه في الدولة ما شاء أن يحكمه، حتى توجّهت الوجوه إلى ابن الأحمر وراء البحر من أشياخ بني مرين والعرب، وأصبح المغرب كأنّه من بعض أعمال الأندلس. ولما نهض السلطان إلى تلمسان خاطبوه وأوصوه بالمغرب، وترك محمد بن عثمان بدار الملك كاتبه محمد بن الحسن، كان مصطنعا عنده من بقيّة شيع الموحّدين ببجاية، فاختصّه ورقّاه واستخلفه في سفره هذا على دار الملك. فلمّا انتهوا إلى تلمسان وحصل له من الفتح ما حصل، كتبوا بالخبر إلى السلطان ابن الأحمر مع شيطان من ذرّية عبّو بن قاسم المرواني [١] كان بدارهم وهو عبد الواحد بن محمد بن عبّو كان يسمو بنفسه إلى العظائم التي ليس لها بأهل ويتربّص لذلك بالدولة. وكان ابن الأحمر مع كثرة تحكّمه فيهم يتنحّى لهم بعض الأوقات بما يأتونه من تقصير في شفاعة أو مخالفة في الأمر لا يجدون عنها وليجة، فيصطنع [٢] لهم ذلك. فلمّا قدم عليه عبد الواحد هذا بخبر الفتح وقصّ عليه القصص، دسّ له أنّ أهل الدولة مضطربون على سلطانهم ومستبدلون به لو وجدوا، وبلغ من ذلك ما حمل وما لم يحمل. وأشار له بجلاء المغرب من الحامية جملة وأنّ دار الملك ليس بها إلّا كاتب حضريّ لا يحسن المدافعة، وهو أعرف به، فانتهز الفرصة ابن الأحمر وجهّز موسى ابن السلطان أبي عنان من الأسباط المقيمين عنده. واستوزر له مسعود بن رحّو بن ماسي من طبقات الوزراء من بني مرين ومن بني قودر من أحلافهم. وله في ذلك سلف وقد كان بعثه من قبل وزيرا للأمير عبد الرحمن بن أبي يفلوسن حين أجاز إلى المغرب أيام استبداد أبي بكر بن غازي. فلم يزل معه حتى كان حصار البلد الجديد واستيلاء السلطان أبي العبّاس عليها. وذهب عبد الرحمن إلى مراكش فاستأذنه مسعود في الانصراف إلى الأندلس، فأذن له ورجع عنه إلى فاس. ثم فارقها وأجاز إلى الأندلس متودّعا ومتودّدا للكل ومعوّلا على ابن الأحمر، فتلقّاه بالقبول وأوسع له النزول والجراية وخلطه بنفسه وأحضره مع ندمائه. ولم يزل كذلك إلى أن جهّزه وزيرا إلى المغرب مع السلطان أبي عنان وبعث معهما عسكرا. ثم ركب السفين إلى سبتة وكانت بينه وبين


[١] وفي نسخة ثانية: المزوار.
[٢] فيضطغن: كذا في النسخة المصرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>