للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزادت عوائده وحاجاته. واستنبطت الصّنائع لتحصيلها فزادت قيمها وتضاعف الكسب في المدينة لذلك ثانية ونفقت سوق الأعمال بها أكثر من الأوّل. وكذا في الزّيادة الثّانية والثّالثة لأنّ الأعمال الزّائدة كلّها تختصّ بالتّرف والغنى بخلاف الأعمال الأصليّة الّتي تختصّ بالمعاش. فالمصر إذا فضل بعمران واحد ففضله بزيادة كسب ورفه بعوائد من التّرف لا توجد في الآخر فما كان عمرانه من الأمصار أكثر وأوفر كان حال أهله في التّرف أبلغ من حال المصر الّذي دونه على وتيرة واحدة في الأصناف. القاضي مع القاضي والتّاجر مع التّاجر والصّانع مع الصّانع والسّوقيّ مع السّوقيّ والأمير مع الأمير والشّرطيّ مع الشّرطيّ. واعتبر ذلك في المغرب مثلا بحال فاس مع غيرها من أمصاره مثل بجاية وتلمسان وسبتة تجد بينهما بونا كثيرا على الجملة. ثمّ على الخصوصيّات فحال القاضي بفاس أوسع من حال القاضي بتلمسان وهكذا كلّ صنف مع صنف أهله. وكذا أيضا حال تلمسان مع وهران أو الجزائر وحال وهران والجزائر مع ما دونهما إلى أن تنتهي إلى المدر [١] الّذين اعتمالهم في ضروريّات [٢] معاشهم فقط ويقصّرون عنها. وما ذلك إلّا لتفاوت الأعمال فيها فكأنّها كلّها أسواق للأعمال. والخرج في كلّ سوق على نسبته فالقاضي بفاس دخله كفاء خرجه وكذا القاضي بتلمسان وحيث الدّخل والخرج أكثر تكون الأحوال أعظم وهما بفاس أكثر لنفاق سوق [٣] الأعمال بما يدعو إليه التّرف فالأحوال أضخم. ثمّ هكذا حال وهران وقسنطينيّة والجزائر وبسكرة حتّى تنتهي كما قلناه إلى الأمصار الّتي لا توفّي [٤] أعمالها بضروراتها ولا تعدّ في الأمصار إذ هي من قبيل القرى والمدر. فلذلك تجد أهل هذه الأمصار الصّغيرة ضعفاء الأحوال متقاربين في الفقر والخصاصة لما أنّ أعمالهم لا تفي


[١] وفي النسخة الباريسية: المداثر
[٢] وفي النسخة الباريسية: ضرورات.
[٣] وفي النسخة الباريسية: سائر الأعمال.
[٤] وفي النسخة الباريسية: تفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>