للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طريق القفر مسلك الحاج من التكرور إلى أن وصل القاهرة، والمستبدّ بها يومئذ يلبغا الخاصكي، على الأشرف شعبان بن حسين من أسباط الملك الناصر محمد بن قلاوون، فأكرم وفادته ووسّع نزله وجرايته، وأدرّ لحاشيته الأرزاق، ثم أعانه على طريقه للحج بالأزواد والأبنية والظهر من الكراع والخفّ. ولما انصرف من حجّه زوّده لسفر المغرب. وهلك بضروجة [١] سنة سبع وستين وسبعمائة ورجعت حاشيته إلى المغرب بحرمة وولده. وكان ترك محمدا هذا رضيعا، فشبّ متقلّبا من الدولة من ملك إلى آخر، منتبذا عن قومه بغيرة السلطان أبي الحسن من بني عمّهم السلطان أبي عليّ. وكان أكثر ما يكون مقامه عند أبي حمّو سلطان بني عبد الواد بتلمسان لما يروم به من الأجلاب على المغرب، ودفع عادية بني مرين عنه. فلمّا وقع بالمغرب من انتقاض عرب المعقل على الوزير مسعود بن ماسي سنة تسع وثمانين وسبعمائة واستمرّوا على الخلاف، انتهز أبو حمّو الفرصة، وبعث محمد بن عبد الحليم هذا إلى المعقل ليجلب بهم على المغرب، ويمزّقوا من الملك ما قدروا عليه، فلحق بأحيائهم ونزل على الأحلاف الذين هم أمس رحما بسجلماسة وأقرب موطنا إليها. وكان الوزير ابن ماسي قد ولّى عليها من أقاربه عليّ بن إبراهيم بن عبّو بن ماسي، فلما ظهر عليه السلطان أبو العبّاس وضيّق مخنقه بالبلد الجديد، دسّ إلى الأحلاف وإلى قريبه عليّ ابن إبراهيم أن ينصّب محمد ابن السلطان أبي العباس عنه، وينفّسوا من حصاره، ففعلوا ذلك. ودخل محمد إلى سجلماسة فملكها، وقام عليّ بن إبراهيم بوزارته حتى إذا استولى السلطان أبو العباس على البلد الجديد، وفتك بالوزير مسعود بن ماسي وبإخوته وسائر قرابته، اضطرب علي بن إبراهيم وفسد ما بينه وبين سلطانه محمد، فخرج عن سجلماسة ودعا إلى أبي حمو سلطان تلمسان كما كان.

ثم زادت هواجس علي بن إبراهيم وارتيابه فخرج عن سجلماسة وتركها، ولحق بأحياء العرب. وسارت طائفة منهم معه إلى أن أبلغوه مأمنه. ونزل على السلطان أبي حمّو إلى أن هلك، فسار إلى تونس وحضر وفاة السلطان أبي العبّاس بها سنة تسع وتسعين وسبعمائة ولحق محمد ابن السلطان عبد الحليم بعد مهلك أبي حمّو بتونس. ثم ارتحل بعد وفاة السلطان أبي العبّاس الى المشرق لحجة فرضه [٢] ، والله تعالى أعلم.


[١] وفي النسخة المصرية: بتروجة وفي نسخة أخرى: بيروجة.
[٢] وفي النسخة المصرية: الى المشرق في سبيل جولة ووطاوعة واغتراب.

<<  <  ج: ص:  >  >>