للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معهم أوّل سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وقد كنت منطويا على الرحلة من إفريقية لما أصابني من الاستيحاش لذهاب أشياخي وعطلاني [١] عن طلب العلم. فلما رجع بنو مرين إلى مراكزهم بالمغرب وانحسر تيّارهم عن إفريقية، وأكثر من كان معهم من الفضلاء صحابة وأشياخ، فاعتزمت على اللحاق بهم، وصدّني عن ذلك أخي وكبيري محمد رحمه الله، فلما دعيت إلى هذه الوظيفة سارعت إلى الإجابة لتحصيل غرضي من اللحاق بالمغرب، وكان كذلك، فإنّا لمّا خرجنا من تونس نزلنا بلاد هوّارة، وزحفت العساكر بعضها إلى بعض بفحص مرماجنّة وانهزم صفّنا ونجوت أنا إلى أبّة، فأقمت بها عند الشيخ عبد الرحمن الوسناني [٢] من كبراء المرابطين، ثم تحوّلت إلى سبتة ونزلت بها على محمد بن عبدون صاحبها، فأقمت عنده ليالي حتى هيّأ لي الطريق مع رفيق من المغرب [٣] ، وسافرت إلى قفصة، وأقمت بها أياما حتى قدم علينا بها الفقيه محمد ابن الرئيس منصور بن مزني، وأخوه يوسف يومئذ صاحب الزاب وكان هو بتونس، فلمّا حاصرها الأمير أبو زيد خرج إليه فكان معه. فلمّا بلغهم الخبر بأنّ السلطان أبا عنان ملك المغرب، نهض إلى تلمسان فملكها، وقتل سلطانها عثمان بن عبد الرحمن، وأخاه أبا ثابت وأنه انتهى الى المدية وملك بجاية من يد صاحبها الأمير أبي عبد الله من حفدة السلطان أبي يحيى، وراسله عند ما أطلّ على بلده، فسار إليه، ونزل له عنها. وصار في جملته، وولي أبو عنان على بجاية عمر ابن علي شيخ بني وطّاس من بني الوزير شيوخهم. فلمّا بلغهم هذا الخبر أجفل الأمير عبد الرحمن من مكانه عن حصار تونس، ومرّ بقفصة فدخل إلينا محمد بن مزني ذاهبا إلى الزاب، فرافقته إلى بسكرة، ودخلت إلى أخيه هنالك، ونزل هو بعض قرى الزاب تحت جراية أخيه إلى أن انصرم الشتاء.

وكان أبو عنان لما ملك بجاية ولّى عليها عمر بن علي بن الوزير من شيوخ بني وطّاس فجاء فارح مولى الأمير أبي عبد الله لنقل حرمه وولده، فداخل بعض السفهاء من صنهاجة في قتل عمر بن علي فقتله في مجلسه ووثب هو على البلد وأرسل إلى الأمير أبي زيد يستدعيه من قسنطينة، فتمشّت رجالات البلد بينهم خشية من سطوة السلطان.


[١] وفي نسخة ثانية: عطلتي.
[٢] وفي نسخة ثانية: الوشتاتي.
[٣] وفي نسخة ثانية: وبذرق لي مع رفيق من العرب، والبذرقة كلمة معرّبه معناها الخفارة أو العصمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>