للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودولتهم، وهلك والد الشريف وصدر هو إلى رياسة الشورى. لما كانت واقعة القيروان، وخلع أبو عنان أباه واستولى على المغرب، وكان بسبتة عبد الله بن علي الوزير واليا من قبل السلطان أبي الحسن، فتمسّك بدعوته، ومال أهل البلد إلى السلطان أبي عنان وبثّ فيهم الشريف دعوته، فثاروا بالوزير وأخرجوه، ووفدوا على أبي عنان وأمكنوه من بلدهم، فولّى عليها من عظماء دولته سعيد بن موسى العجيسي، كان كافل تربيته في صغره. وأفرد هذا الشريف برياسة الشورى في سبتة، فلم يكن يقطع أمرا دونه، ووفد على السلطان بعض الأيام فتلقّاه من المبرة بما لا يشاركه فيه أحد من وفود الملوك والعظماء. ولم يزل على ذلك سائر أيام السلطان وبعد وفاته، وكان معظّما وقور المجلس، هشّ اللقاء، كريم الوفادة، متحلّيا بالعلم والأدب، منتحلا للشعر غاية في الكرم وحسن العهد، وسذاجة النفس، ولمّا مررت به سنة أربع وستين وسبعمائة أنزلني ببيته إزاء المسجد الجامع، ورأيت منه ما لا يقدّر مثله من الملوك، وأركبني الحرّاقة [١] ليلة سفري يباشر دحرجتها إلى الماء بيده، إغرابا في الفضل والمساهمة، وحططت بجبل الفتح وهو يومئذ لصاحب المغرب، ثم خرجت منه إلى غرناطة وكتبت للسلطان ابن الأحمر ووزيره ابن الخطيب بشأني، وليلة بتّ بقرب غرناطة على بريد منها، لقيني كتاب ابن الخطيب يهنيني بالقدوم، ويؤنسني ونصّه:

حللت حلول الغيث في البلد المحل ... على الطائر الميمون والرّحب والسهل

يمينا بمن تعنو الوجوه لوجهه ... من الشيخ والطفل المعصب [٢]

لقد نشأت عندي للقياك غبطة ... تنسّي اغتباطي بالشبيبة والأهل

وودّي لا يحتاج فيه لشاهد ... وتقريري المعلوم ضرب من الجهل

أقسمت بمن حجّت قريش لبيته، وقبر صرفت أزمّة الأحياء لميته ونور ضربت الأمثال بمشكاته وزيته. لو خيّرت أيها المحبّ الحبيب الّذي زيارته الأمنيّة السنيّة، والعارفة الوارفة، واللطيفة المطيفة بين رجع الشباب يقطر ماؤه، ويرف نماؤه، ويغازل عيون الكواكب، فضلا عن الكواعب، إشارة وإيماء، بحيث لا آلو في


[١] الحراقة: نوع من السفن الصغيرة فيها مرامي نيران يرمى بها العدو، ومنهم من كان يستعملها للنزهة.
[٢] وفي نسخة ثانية: المهدّاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>