للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسوا في ارتقاء [١] ، ويجعله ذريعة للاستيلاء على بجاية، لما كان يرى نفسه كفؤها بعدده وعديده، وما سلف من قومه في حصارها، فسار من تلمسان يجرّ الشوك والمدر [٢] ، خيّم بالرشّة من ساحتها، ومعه أحياء زغبة بجموعهم وظعائنهم من لدن تلمسان إلى بلاد حصين من بني عامر وبني يعقوب وسويد والديالم والعطاف وحصين.

وانحجر أبو العباس بالبلد في شرذمة من الجند أعجله السلطان أبو حمّو عن استكمال الحشد، ودافع أهل البلد أحسن الدفاع، وبعث السلطان أبو العبّاس عن أبي زيّان ابن السلطان أبي سعيد عمّ أبي حمّو من قسنطينة، كان معتقلا بها، وأمر مولاه وقائد عسكره بشيرا أن يخرج معه في العساكر، وساروا حتى نزلوا بني عبد الجبار قبالة معسكر أبي حمو، وكانت رجالات زغبة قد وجموا من السلطان، وأبلغهم النذير أنّه إنّ ملك بجاية اعتقلهم بها، فراسلوا أبا زيّان وركبوا إليه، واعتقدوا معه وخرج رجل البلد بعض الأيام من أعلى الحصن، ودفعوا شرذمة كانت مجمّرة بإزائهم، فاقتلعوا خباءهم، وأسهلوا من تلك العقبة إلى بسيط الرشّة، وعاينهم العرب بأقصى مكانهم من المعسكر فأجفلوا، وتتابع الناس في الانجفال حتى أفردوا السلطان في مخيّمه فحمل رواحله وسار، وغصّت الطرق بزحامهم، وتراكم بعضهم على بعض، فهلك منهم عوالم. وأخذهم سكّان الجبال من البربر بالنهب من كل ناحية، وقد غشيهم الليل، فتركوا أزوادهم ورحالهم. وخلص السلطان ومن خلص منهم بعد غصّ الريق، وأصبحوا على منجاة. وقذفت بهم الطرق من كل ناحية إلى تلمسان، وكان السلطان أبو حمّو قد بلغه خبر خروجي من بجاية، وما أحدثه السلطان بعدي في أهلي ومخلفي، فكتب إليّ يستقدمني قبل هذه الواقعة، وكانت الأمور قد اشتبهت، فتفاديت بالأعذار، وأقمت بأحياء يعقوب بن عليّ. ثم ارتحلت إلى بسكرة فأقمت بها عند أميرها أحمد بن يوسف بن مزني. فلمّا وصل السلطان أبو حمّو إلى تلمسان وقد جزع للواقعة، أخذ في استئلاف قبائل رياح ليجلب بهم مع عساكره على أوطان بجاية، وخاطبني في ذلك لقرب عهدي باستتباعهم، وملك


[١] الأصح حسوا في ارتغاء: أي يشرب اللبن خفية، ويتظاهر بأنه يأخذ الرغوة، وهو مثل يضرب بمن يظهر أمرا وهو يريد غيره.
[٢] مثل عام ويعني به كثرة جيشه.

<<  <  ج: ص:  >  >>