للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خرجها حينئذ كما تقدّم. والمكوس تعود إلى البياعات بالغلاء لأنّ السّوقة والتّجّار كلّهم يحتسبون على سلعهم وبضائعهم جميع ما ينفقونه حتّى في مؤنة أنفسهم فيكون المكس لذلك داخلا في قيم المبيعات وأثمانها. فتعظم نفقات أهل الحضارة وتخرج عن القصد إلى الإسراف. ولا يجدون وليجة عن ذلك لما ملكهم من أثر العوائد وطاعتها وتذهب مكاسبهم كلّها في النّفقات ويتتابعون [١] في الإملاق والخاصّة [٢] ويغلب عليهم الفقر ويقلّ المستامون للمبايع [٣] فتكسد الأسواق ويفسد حال المدينة وداعية ذلك كلّه إفراط الحضارة والتّرف. وهذه مفسدات في المدينة على العموم في الأسواق والعمران. وأمّا فساد أهلها في ذاتهم واحدا واحدا على الخصوص فمن الكدّ والتّعب في حاجات العوائد والتّلوّن بألوان الشّرّ في تحصيلها وما يعود على النّفس من الضّرر بعد تحصيلها بحصول لون آخر من ألوانها. فلذلك يكثر منهم الفسق والشّرّ والسّفسفة والتّحيّل على تحصيل المعاش من وجهه ومن غير وجهه. وتنصرف النّفس إلى الفكر في ذلك والغوص عليه واستجماع الحيلة له فتجدهم أجرياء على الكذب والمقامرة والغشّ والخلابة والسّرقة والفجور في الأيمان والرّبا في البياعات ثمّ تجدهم لكثرة الشهوات والملاذ النّاشئة عن الترف أبصر بطرق الفسق ومذاهبه والمجاهرة به وبداوعيه واطّراح الحشمة في الخوض فيه حتّى بين الأقارب وذوي الأرحام والمحارم الّذين تقتضي البداوة الحياء منهم في الإقذاع بذلك. وتجدهم أيضا أبصر بالمكر والخديعة يدفعون بذلك ما عساه أن ينالهم من القهر وما يتوقّعونه من العقاب على تلك القبائح حتّى يصير ذلك عادة وخلقا لأكثرهم إلّا من عصمه الله. ويموج بحر المدينة بالسّفلة من أهل الأخلاق الذّميمة ويجاريهم فيها كثير من ناشئة الدّولة وولدانهم ممّن أهمل عن التّأديب وأهملته الدولة من عدادها وغلب عليه خلق


[١] وفي نسخة أخرى: ويتبالغون.
[٢] وفي نسخة أخرى: الخصاصة.
[٣] وفي نسخة أخرى: البضائع.

<<  <  ج: ص:  >  >>