للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكنت لما نزلت بالينبع لقيت بها الفقيه الأديب المتفنّن أبا القاسم بن محمد بن شيخ الجماعة، وفارس الأدباء، ومنفّق سوق البلاغة، أبي إسحاق إبراهيم الساحليّ المعروف جدّه بالطّويجن وقد قدم حاجا وفي صحبته كتاب رسالة من صاحبنا الوزير الكبير العالم كاتب سرّ السلطان ابن الأحمر صاحب غرناطة، الحظيّ لديه أبي عبد الله بن زمرك، خاطبني فيه بنظم ونثر يتشوّف ويذكّر بعهود الصحبة نصّه:

سلوا البارق النجديّ على عمل نجدي [١] ... تبسّم فاستبكى جفوني من الوجد

أجاد ربوعي باللّوى، درك [٢] اللّوى ... وسحّ به صوب الغمائم من بعدي

ويا زاجر الأظعان وهي ضوامر ... دعوها ترد هيما عطاشا على نجد

ولا تنشّقوا الأنفاس منها مع الصّبا ... فإنّ زفير الشوق من مثلها يعدي

براها الهوى بري القداح وخطّها ... حزون [٣] على صفح من القفر ممتدّ

عجبت لها أني تجاذبني الهوى ... وما شوقها شوقي ولا وجدها وجدي

لئن شاقها بين العذيب وبارق ... مياه بفيء الظلّ للّبان والرّند [٤]

فما شاقني إلّا بدور خدورها ... وقد لحن يوم النّفر في قضب ملد [٥]

فكم في قباب الحيّ من شمس كلّة ... وفي فلك الأزرار من قمر سعد

وكم صارم قد سلّ من لحظ أحور ... وكم ذابل قد هزّ من ناعم القدّ

خذوا الحذر من سكّان رامة إنّها ... ضعيفات كرّ اللحظ تفتك بالأسد

سهام جفون من قسيّ حواجب ... يصاب بها قلب البريّ على عمد

وروض جمال ضاع عرف نسيمه ... وما ضاع غير الورد في صفحة الخدّ

ونرجس لحظ أرسل الدمع لؤلؤا ... فرشّ بماء الورد روضا من الورد

وكم غصن قد عانق الغصن مثله ... وكلّ على كلّ من الشوق يستعدي

قبيح وداع قد جلا لعيوننا ... محاسن من روض الجمال بلا عدّ


[١] وفي نسخة ثانية: سلوا البارق النجديّ من علمي نجد.
[٢] وفي نسخة ثانية: بورك.
[٣] وفي نسخة ثانية: حروفا.
[٤] وفي نسخة ثانية: العذيب: ماء لبني تميم. وكذلك بارق. والبان: شجر يسمو ويطول باستقام، ومنه يستخرج دهن البان. والرند: شجر الغار له رائحة طيبة ويستخرج منه الدهن أيضا.
[٥] الملد: اللين.

<<  <  ج: ص:  >  >>