للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإتحافه فيبعدونه عن تلك الخلق بالبعد عن معاناة الأفعال المقتضية لها كما مرّ.

فتكون مروءتهم أرسخ وأبعد عن تلك المحاجاة [١] إلّا ما يسري من آثار تلك الأفعال من وراء الحجاب فإنّهم يضطرون إلى مشارفة أحوال أولئك الوكلاء ورفاقهم أو خلافهم فيما يأتون أو يذرون من ذلك إلّا أنّه قليل ولا يكاد يظهر أثره «وَالله خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ٣٧: ٩٦» .

[الفصل السادس عشر في أن الصنائع لا بد لها من العلم [٢]]

اعلم أنّ الصّناعة هي ملكة في أمر عمليّ فكريّ وبكونه عمليّا هو جسمانيّ محسوس. والأحوال الجسمانيّة المحسوسة فنقلها بالمباشرة أوعب لها وأكمل، لأنّ المباشرة في الأحوال الجسمانيّة المحسوسة أتمّ فائدة والملكة صفة راسخة تحصل عن استعمال ذلك الفعل وتكرّره مرّة بعد أخرى حتّى ترسخ صورته. وعلى نسبة الأصل تكون الملكة. ونقل المعاينة أوعب وأتمّ من نقل الخبر والعلم.

فالملكة الحاصلة عن الخبر. وعلى قدر جودة التّعليم وملكة المعلّم يكون حذق المتعلّم في الصّناعة وحصول ملكته. ثمّ إنّ الصّنائع منها البسيط ومنها المركّب.

والبسيط هو الّذي يختصّ بالضّروريّات والمركّب هو الّذي يكون للكماليّات.

والمتقدّم منها في التّعليم هو البسيط لبساطته أوّلا، ولأنّه مختصّ بالضّروريّ الّذي تتوفّر الدّواعي على نقله فيكون سابقا في التّعليم ويكون تعليمه لذلك ناقصا. ولا يزال الفكر يخرج أصنافها ومركّباتها من القوّة إلى الفعل بالاستنباط شيئا فشيئا على التّدريج حتّى تكمل. ولا يحصل ذلك دفعة وإنّما يحصل في أزمان وأجيال إذ خروج الأشياء من القوّة إلى الفعل لا يكون دفعة لا سيّما في الأمور الصّناعيّة فلا بدّ له إذن من زمان. ولهذا تجد الصّنائع في الأمصار الصّغيرة ناقصة ولا يوجد منها


[١] وفي نسخة أخرى: المحرجات.
[٢] وفي النسخة الباريسية: المعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>