للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرى معها ممّا تدعو إليه عوائد التّرف وأحواله من جزّار ودبّاغ وخرّاز وصائغ وأمثال ذلك. وقد تنتهي هذه الأصناف إذا استبحر العمران إلى أن يوجد فيها كثير من الكمالات والتّأنّق فيها في الغاية وتكون من وجوه المعاش في المصر لمنتحلها.

بل تكون فائدتها من أعظم فوائد الأعمال لما يدعو إليه التّرف في المدينة مثل الدّهّان والصّفّار والحمّاميّ والطّبّاخ والشّمّاع [١] والهرّاس ومعلّم الغناء والرّقص وقرع الطّبول على التّوقيع. ومثل الورّاقين الّذين يعانون صناعة انتساخ الكتب وتجليدها وتصحيحها فإنّ هذه الصّناعة إنّما يدعو إليها التّرف في المدينة من الاشتغال بالأمور الفكريّة وأمثال ذلك. وقد تخرج عن الحدّ إذا كان العمران خارجا عن الحدّ كما بلغنا عن أهل مصر أنّ فيهم من يعلّم الطّيور العجم والحمر الإنسيّة ويتخيّل أشياء من العجائب بإيهام قلب الأعيان وتعليم الحداء والرّقص والمشي على الخيوط في الهواء ورفع الأثقال من الحيوان والحجارة وغير ذلك من الصّنائع الّتي لا توجد عندنا بالمغرب. لأنّ عمران أمصاره لم يبلغ عمران مصر والقاهرة. أدام الله عمرانها بالمسلمين. والله الحكيم العليم.

[الفصل الثامن عشر في أن رسوخ الصنائع في الأمصار إنما هو برسوخ الحضارة وطول أمده]

والسّبب في ذلك ظاهر وهو أنّ هذه كلّها عوائد للعمران والأوان [٢] . والعوائد إنّما ترسخ بكثرة التّكرار وطول الأمد فتستحكم صبغة ذلك وترسخ في الأجيال.

وإذا استحكمت الصّبغة عسر نزعها. ولهذا نجد في الأمصار الّتي كانت استبحرت في الحضارة لمّا تراجع عمرانها وتناقص بقيت فيها آثار من هذه الصّنائع ليست في


[١] وفي نسخة أخرى: السفاح.
[٢] وفي نسخة أخرى: الوأم أي البيت الدافئ.

<<  <  ج: ص:  >  >>