للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في العقائد الإيمانيّة، ومنها ما هو في أحكام الجوارح، ومنها ما يتقدّم ومنها ما يتأخّر ويكون ناسخا له. وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو المبيّن لذلك كما قال تعالى: «لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ١٦: ٤٤» [١] فكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يبيّن المجمل ويميّز النّاسخ من المنسوخ ويعرّفه أصحابه فعرفوه وعرفوا سبب نزول الآيات ومقتضى الحال منها منقولا عنه. كما علم من قوله تعالى: «إِذا جاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ ١١٠: ١» إنّها نعي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأمثال ذلك ونقل ذلك عن الصّحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. وتداول ذلك التّابعون من بعدهم ونقل ذلك عنهم. ولم يزل متناقلا بين الصّدر الأوّل والسّلف حتّى صارت المعارف علوما ودونت الكتب فكتب الكثير من ذلك ونقلت الآثار الواردة فيه عن الصّحابة والتّابعين وانتهى ذلك إلى الطّبريّ والواقديّ والثّعالبيّ وأمثال ذلك من المفسّرين فكتبوا فيه ما شاء الله أن يكتبوه من الآثار. ثمّ صارت علوم اللّسان صناعيّة [٢] من الكلام في موضوعات اللّغة وأحكام الإعراب والبلاغة في التّراكيب فوضعت الدّواوين في ذلك بعد أن كانت ملكات للعرب لا يرجع فيها إلى نقل ولا كتاب فتنوسي ذلك وصارت تتلقّى من كتب أهل اللّسان. فاحتيج إلى ذلك في تفسير القرآن لأنّه بلسان العرب وعلى منهاج بلاغتهم. وصار التّفسير على صنفين: تفسير نقليّ مسند إلى الآثار المنقولة عن السّلف وهي معرفة النّاسخ والمنسوخ وأسباب النّزول ومقاصد الآي.

وكلّ ذلك لا يعرف إلّا بالنّقل عن الصّحابة والتّابعين. وقد جمع المتقدّمون في ذلك وأوعوا، إلّا أنّ كتبهم ومنقولاتهم تشتمل على الغثّ والسّمين والمقبول والمردود. والسّبب في ذلك أنّ العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم وإنّما غلبت عليهم البداوة والأمّيّة. وإذا تشوّقوا إلى معرفة شيء ممّا تتشوّق إليه النّفوس البشريّة [٣] في أسباب المكوّنات وبدء الخليقة وأسرار الوجود فإنّما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم وهم أهل التّوراة من اليهود ومن تبع دينهم


[١] سورة النحل (من الآية ٤٤) .
[٢] وفي نسخة أخرى: صناعة.
[٣] وفي النسخة الباريسية: النفوس الإنسانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>