للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينبغي، فعلا وتركا. وتحصل في ملابسة الملكة في معاملة أبناء جنسه. ومن تتبّع ذلك سائر عمره حصل له العثور على كلّ قضيّة. ولا بدّ بما تسعه التجربة من الزّمن. وقد يسهّل الله على كثير من البشر تحصيل ذلك في أقرب زمن التجربة، إذ قلّد فيها الآباء والمشيخة والأكابر، ولقّن عنهم ووعى تعليمهم، فيستغني عن طول المعانات في تتبّع الوقائع واقتناص هذا المعنى من بينها. ومن فقد العلم في ذلك والتقليد فيه أو أعرض عن حسن استماعه واتّباعه، طال عناؤه في التأديب بذلك، فيجري في غير مألوف ويدركها على غير نسبة، فتوجد آدابه ومعاملاته سيّئة الأوضاع بادية الخلل، ويفسد حاله في معاشه بين أبناء جنسه. وهذا معنى القول المشهور: «من لم يؤدّبه والده أدّبه الزّمان» . أي من لم يلقّن الآداب في معاملة البشر من والديه- وفي معناهما المشيخة والأكابر- ويتعلّم ذلك منهم، رجع إلى تعلّمه بالطّبع من الواقعات على توالي الأيّام، فيكون الزمان معلّمه ومؤدّبه لضرورة ذلك بضرورة المعاونة الّتي في طبعه.

وهذا هو العقل التجريبيّ، وهو يحصل بعد العقل التمييزيّ الّذي تقع به الأفعال كما بيّناه. وبعد هذين مرتبة العقل النظريّ الّذي تكفّل بتفسيره أهل العلوم، فلا يحتاج إلى تفسيره في هذا الكتاب. والله جعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون.

[الفصل الثالث عشر في علوم البشر وعلوم الملائكة]

إنّا نشهد في أنفسنا بالوجدان الصّحيح وجود ثلاثة عوالم: أوّلها: عالم الحسّ، ونعتبره بمدارك الحسّ الّذي شاركنا فيه الحيوانات بالإدراك، ثمّ نعتبر الفكر الّذي اختصّ به البشر فنعلم منه وجود النفس الإنسانيّة علما ضروريّا بما بين جنبينا من مدارك العلميّة الّتي هي فوق مدارك الحسّ، فتراه عالما آخر فوق

<<  <  ج: ص:  >  >>