للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجسمانيّة البسيطة، وكما في النخل والكرم من آخر أفق النبات مع الحلزون والصدف من أفق الحيوان وكما في القردة الّتي استجمع فيها الكيس والإدراك مع الإنسان صاحب الفكر والرويّة. وهذا الاستعداد الّذي في جانبي كلّ أفق من العوالم هو معنى الاتّصال فيها.

وفوق العالم البشريّ عالم روحانيّ، شهدت لنا به الآثار الّتي فينا منه، بما يعطينا من قوى الإدراك والإرادة فذوات العلم العالم إدراك صرف وتعقّل محض، وهو عالم الملائكة، فوجب من ذلك كلّه أن يكون للنفس الإنسانيّة استعداد للانسلاخ من البشريّة إلى الملكيّة، لتصير بالفعل من جنس الملائكة وقتا من الأوقات، وفي لمحة من اللّمحات. ثمّ تراجع بشريّتها وقد تلقّت في عالم الملكيّة ما كلّفت بتبليغه إلى أبناء جنسها من البشر. وهذا هو معنى الوحي وخطاب الملائكة. والأنبياء كلّهم مفطورون عليه، كأنّه جبلّة لهم ويعالجون في ذلك الانسلاخ من الشدّة والغطيط ما هو معروف عنهم. وعلومهم في تلك الحالة علم شهادة وعيان، لا يلحقه الخطأ والزلل، ولا يقع فيه الغلط والوهم، بل المطابقة فيه ذاتيّة لزوال حجاب الغيب وحصول الشهادة الواضحة، عند مفارقة هذه الحالة إلى البشريّة، لا يفارق علمهم الوضوح، استصحابا له من تلك الحالة الأولى، ولما هم عليه من الذكاء المفضي بهم إليها، يتردّد ذلك فيهم دائما إلى أن تكمل هداية الأمّة الّتي بعثوا لها، كما في قوله تعالى: «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ٤١: ٦» . فافهم ذلك وراجع ما قدّمناه لك أوّل الكتاب، في أصناف المدركين للغيب، يتّضح لك شرحه وبيانه، فقد بسطناه هنالك بسطا شافيا. والله الموفّق

.

<<  <  ج: ص:  >  >>