للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقدّم معنى التّوحيد انتفاء عين الحدوث، وعين الحدوث، الآن ثابتة بل متعدّدة، والتوحيد مجحود والدعوى كاذبة. كمن يقول لغيره، وهما معا في بيت واحد: ليس في البيت غيرك، فيقول الآخر بلسان حاله: لا يصحّ هذا إلّا لو عدمت أنت! وقد قال بعض المحقّقين في قولهم: «خلق الله الزمان» هذه ألفاظ تناقض أصولها لأنّ خلق الزمان متقدّم على الزمان وهو فعل لا بدّ من وقوعه في الزمان، وإنّما حمل ذلك ضيق العبارة عن الحقائق وعجز اللّغات عن تأدية الحقّ فيها وبها. فإذا تحقّق أنّ الموحّد هو الموحّد، وعدم ما سواه جملة، صحّ التوحيد حقيقة. وهذا معنى قولهم «لا يعرف الله إلّا الله» ولا حرج على من وحّد الحقّ مع بقاء الرسوم والآثار، وإنّما هو من باب: «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» . لأنّ ذلك لازم التقييد والعبوديّة والشفعيّة. ومن ترقّى إلى مقام الجمع كان في حقّه نقصا، مع علمه بمرتبته، وأنّه تلبيس تستلزمه العبوديّة ويرمعه الشهود ويطهّر من دنس حدوثه عين الجمع. وأعرق الأصناف في هذا الزعم القائلون بالوحدة المطلقة. ومدار المعرفة بكلّ اعتبار على الانتهاء إلى الواحد، وإنّما صدر هذا القول من الناظم على سبيل التحريض والتنبيه والتفطين لمقام أعلى ترتفع فيه الشفعيّة ويحصل التوحيد المطلق عينا لا خطابا. وعبارة:

فمن سلّم استراح ومن نازعته حقيقة أنس بقوله: كنت سمعه وبصره. وإذا عرفت المعاني لا مشاحّة في الألفاظ. والّذي يفيده هذا كلّه تحقّق أمر فوق هذا الطور، لا نطق فيه ولا خبر عنه. وهذا المقدار من الإشارة كاف. والتّعمّق في مثل هذا حجاب، وهو الّذي أوقع في المقالات المعروفة. انتهى كلام الشيخ أبي مهدي الزيّات، ونقلته من كتاب الوزير ابن الخطيب الّذي ألّفه في المحبّة، وسمّاه التّعريف بالحبّ الشريف. وقد سمعته من شيخنا أبي مهدي مرارا، إلّا أنّي رأيت رسوم الكتاب أوعى له، لطول عهدي به. والله الموفّق.

ثمّ إنّ كثيرا من الفقهاء وأهل الفتيا انتدبوا للرّدّ على هؤلاء المتأخّرين في هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>