للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أساطين الحكمة وغيرهم. واختصّ فيها المشّاءون منهم أصحاب الرّواق بطريقة حسنة في التّعليم كانوا يقرءون في رواق يظلّهم من الشّمس والبرد على ما زعموا.

واتّصل فيها سند تعليمهم على ما يزعمون من لدن لقمان الحكيم في تلميذه بقراط الدّنّ، ثمّ إلى تلميذه أفلاطون ثمّ إلى تلميذه أرسطو ثمّ إلى تلميذه الإسكندر الأفرودسيّ، وتامسطيون وغيرهم. وكان أرسطو معلّما للإسكندر ملكهم الّذي غلب الفرس على ملكهم وانتزع الملك من أيديهم. وكان أرسخهم في هذه العلوم قدما وأبعدهم فيه صيتا وشهرة. وكان يسمّى المعلّم الأوّل فطار له في العالم ذكر.

ولمّا انقرض أمر اليونان وصار الأمر للقياصرة وأخذوا بدين النّصرانيّة هجروا تلك العلوم كما تقتضيه الملل والشّرائع فيها. وبقيت في صحفها ودواوينها مخلّدة باقية في خزائنهم ثمّ ملكوا الشّام وكتب هذه العلوم باقية فيهم. ثمّ جاء الله بالإسلام وكان لأهله الظّهور الّذي لا كفاء له وابتزّوا الرّوم ملكهم فيما ابتزّوه للأمم. وابتدأ أمرهم بالسّذاجة والغفلة عن الصّنائع حتّى إذا تبحبح [١] من السّلطان والدّولة وأخذ الحضارة [٢] بالحظّ الّذي لم يكن لغيرهم من الأمم وتفنّنوا في الصّنائع والعلوم. تشوّقوا إلى الاطّلاع على هذه العلوم الحكميّة بما سمعوا من الأساقفة والاقسّة المعاهدين بعض ذكر منها وبما تسمو إليه أفكار الإنسان فيها.

فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الرّوم أنّ يبعث إليه بكتب التّعاليم مترجمة فبعث إليه بكتاب أوقليدس وبعض كتب الطّبيعيّات. فقرأها المسلمون واطّلعوا على ما فيها وازدادوا حرصا على الظّفر بما بقي منها. وجاء المأمون بعد ذلك وكانت له في العلم رغبة بما كان ينتحله فانبعث لهذه العلوم حرصا وأوفد الرّسل على ملوك الرّوم في استخراج علوم اليونانيّين وانتساخها بالخطّ العربيّ وبعث المترجمين لذلك فأوعى منه واستوعب. وعكف عليها النّظّار من أهل الإسلام وحذقوا في فنونها وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها. وخالفوا كثيرا من آراء المعلّم


[١] وفي النسخة الباريسية: انتجع.
[٢] وفي نسخة أخرى: وأخذوا من الحضارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>