للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقتدى بها جميع الأطبّاء بعده. وكان في الإسلام في هذه الصّناعة أئمّة جاءوا من وراء الغاية مثل الرّازي والمجوسيّ وابن سينا ومن أهل الأندلس أيضا كثير وأشهرهم ابن زهر. وهي لهذا العهد في المدن الإسلاميّة كأنّها نقصت لوقوف العمران وتناقصه وهي من الصّنائع الّتي لا تستدعيها إلّا الحضارة والتّرف كما نبيّنه بعد. وللبادية من أهل العمران طبّ يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص متوارثا عن مشايخ الحيّ وعجائزه، وربّما يصحّ منه البعض إلّا أنّه ليس على قانون طبيعيّ ولا على موافقة المزاج. وكان عند العرب من هذا الطّبّ كثير وكان فيهم أطبّاء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره.

والطّبّ المنقول في الشّرعيّات [١] من هذا القبيل وليس من الوحي في شيء وإنّما هو أمر كان عاديّا للعرب. ووقع في ذكر أحوال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من نوع ذكر أحواله الّتي هي عادة وجبلّة لا من جهة أنّ ذلك مشروع على ذلك النّحو من العمل.

فإنّه صلّى الله عليه وسلّم إنّما بعث ليعلّمنا الشّرائع ولم يبعث لتعريف الطّبّ ولا غيره من العاديّات. وقد وقع له في شأن تلقيح النّخل ما وقع فقال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم» . فلا ينبغي أن يحمل شيء من الطّبّ الّذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنّه مشروع فليس هناك ما يدلّ عليه اللَّهمّ إلّا إذا استعمل على جهة التّبرّك وصدق العقد الإيمانيّ فيكون له أثر عظيم في النّفع. وليس ذلك في الطّبّ المزاجيّ وإنّما هو من آثار الكلمة الإيمانيّة كما وقع في مداواة المبطون بالعسل ونحوه والله الهادي إلى الصّواب لا ربّ سواه.


[١] وفي النسخة الباريسية: في النبوات.

<<  <  ج: ص:  >  >>