للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل السابع والعشرون في علم الإلهيات]

وهو علم ينظر في الوجود المطلق فأوّلا في الأمور العامّة للجسمانيّات والرّوحانيّات من الماهيّات والوحدة والكثرة والوجوب والإمكان وغير ذلك ثمّ ينظر في مبادئ الموجودات وأنّها روحانيّات ثمّ في كيفيّة صدور الموجودات عنها ومراتبها [١] ثمّ في أحوال النّفس بعد مفارقة الأجسام وعودها إلى المبدإ. وهو عندهم علم شريف يزعمون أنّه يوقفهم على معرفة الوجود على ما هو عليه وأنّ ذلك عين السّعادة في زعمهم. وسيأتي الرّدّ عليهم بعد. وهو تال للطّبيعيّات في ترتيبهم ولذلك يسمّونه علم ما وراء الطّبيعة. وكتب المعلّم الأوّل فيه موجودة بين أيدي النّاس. ولخّصه [٢] ابن سينا في كتاب الشّفاء والنّجاة وكذلك لخّصه [٣] ابن رشد من حكماء الأندلس ولمّا وضع المتأخّرون في علوم القوم ودوّنوا فيها وردّ عليهم الغزاليّ ما ردّ منها ثمّ خلط المتأخّرون من المتكلّمين مسائل علم الكلام بمسائل الفلسفة لاشتراكهما في المباحث، وتشابه موضوع علم الكلام بموضوع الإلهيّات ومسائله بمسائلها فصارت كأنّها فنّ واحد ثمّ غيّروا ترتيب الحكماء في مسائل الطّبيعيّات والإلهيّات وخلطوهما فنّا واحدا قدّموا الكلام في الأمور العامّة ثمّ أتبعوه بالجسمانيّات وتوابعها ثمّ بالرّوحانيّات وتوابعها إلى آخر العلم كما فعله الإمام ابن الخطيب في المباحث المشرقيّة وجميع من بعده من علماء الكلام. وصار علم الكلام مختلطا بمسائل الحكمة وكتبه محشوّة بها كأنّ الغرض من موضوعهما ومسائلهما واحد. والتبس ذلك على النّاس وهو صواب لأنّ مسائل علم الكلام إنّما هي عقائد متلقّاة من الشّريعة كما نقلها السّلف من غير رجوع فيها إلى العقل ولا


[١] وفي النسخة الباريسية: وترتيبها.
[٢] وفي النسخة الباريسية: ولخصها (والضمير يعود إلى الكتب) .
[٣] الضمير يعود إلى كتب المعلم الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>