للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجرّدات كلّها من غير المحسوسات هي من حيث تأليف بعضها مع بعض لتحصيل العلوم منها تسمّى المعقولات الثّواني. فإذا نظر الفكر في هذه المعقولات المجرّدة وطلب تصوّر الوجود. كما هو فلا بدّ للذّهن من إضافة بعضها إلى بعض ونفي بعضها عن بعض بالبرهان العقليّ اليقينيّ ليحصل تصوّر الوجود تصوّرا صحيحا مطابقا إذا كان ذلك بقانون صحيح كما مرّ. وصنف التّصديق الّذي هو تلك الاضافة والحكم متقدّم عندهم على صنف التّصوّر في النّهاية والتّصوّر متقدّم عليه في البداءة والتّعليم لأنّ التّصوّر التّامّ عندهم هو غاية الطّلب الإدراكيّ وإنّما التّصديق وسيلة له وما تسمعه في كتب المنطقيّين من تقدّم التّصوّر وتوقّف التّصديق عليه فبمعنى الشّعور لا بمعنى العلم التّامّ وهذا هو مذهب كبيرهم أرسطو ثمّ يزعمون أنّ السّعادة في إدراك الموجودات كلّها ما في الحسّ وما وراء الحسّ بهذا النّظر وتلك البراهين. وحاصل مداركهم في الوجود على الجملة وما آلت إليه وهو الّذي فرّعوا عليه قضايا أنظارهم أنّهم عثروا أوّلا على الجسم السّفليّ بحكم الشّهود والحسّ ثمّ ترقّى إدراكهم قليلا فشعروا بوجود النّفس من قبل الحركة والحسّ في الحيوانات ثمّ أحسّوا من قوى النّفس بسلطان العقل. ووقف إدراكهم فقضوا على الجسم العالي السّماويّ بنحو من القضاء على أمر الذّات الإنسانيّة. ووجب عندهم أن يكون للفلك نفس وعقل كما للإنسان ثمّ أنهوا ذلك نهاية عدد الآحاد وهي العشر، تسع مفصّلة ذواتها جمل وواحد أوّل مفرد وهو العاشر. ويزعمون أنّ السّعادة في إدراك الوجود على هذا النّحو من القضاء مع تهذيب النّفس وتخلّقها بالفضائل وأنّ ذلك ممكن للإنسان ولو لم يرد شرع لتمييزه بين الفضيلة والرّذيلة من الأفعال بمقتضى عقله ونظره وميله إلى المحمود منها واجتنابه للمذموم بفطرته وأنّ ذلك إذا حصل للنّفس حصلت لها البهجة واللّذّة وأنّ الجهل بذلك هو الشّقاء السّرمديّ وهذا عندهم هو معنى النّعيم والعذاب في الآخرة إلى خبط لهم في تفاصيل ذلك معروف في كلماتهم. وإمام هذه المذاهب

<<  <  ج: ص:  >  >>