للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في تلك من التّكرار والإحالة المفيدين لحصول الملكة التّامّة. وإذا اقتصر على التّكرار قصّرت الملكة لقلّته كشأن هذه الموضوعات المختصرة فقصدوا إلى تسهيل الحفظ على المتعلّمين فأركبوهم صعبا يقطعهم عن تحصيل الملكات النّافعة وتمكّنها. «ومن يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له» . والله سبحانه وتعالى أعلم.

[الفصل السابع والثلاثون في وجه الصواب في تعليم العلوم وطريق إفادته]

اعلم أنّ تلقين العلوم للمتعلّمين إنّما يكون مفيدا إذا كان على التّدريج شيئا فشيئا وقليلا قليلا يلقى عليه أوّلا مسائل من كلّ باب من الفنّ هي أصول ذلك الباب. ويقرّب له في شرحها على سبيل الإجمال ويراعى في ذلك قوّة عقله واستعداده لقبول ما يرد [١] عليه حتّى ينتهي إلى آخر الفنّ وعند ذلك يحصل له ملكة في ذلك العلم إلّا أنّها جزئيّة وضعيفة. وغايتها أنّها هيّأته لفهم الفنّ وتحصيل مسائله. ثمّ يرجع به إلى الفنّ ثانية فيرفعه في التّلقين عن تلك الرّتبة إلى أعلى منها ويستوفي الشّرح والبيان ويخرج عن الإجمال ويذكر له ما هنالك من الخلاف ووجهه إلى أن ينتهي إلى آخر الفنّ فتجود ملكته. ثمّ يرجع به وقد شدّ فلا يترك عويصا ولا مهمّا ولا مغلقا إلّا وضّحه وفتح له مقفله فيخلص من الفنّ وقد استولى على ملكته هذا وجه التّعليم المفيد وهو كما رأيت إنّما يحصل في ثلاث تكرارات.

وقد يحصل للبعض في أقلّ من ذلك بحسب ما يخلق له ويتيسّر عليه وقد شاهدنا كثيرا من المعلّمين لهذا العهد الّذي أدركنا يجهلون طرق التّعليم وإفاداته ويحضرون للمتعلّم في أوّل تعليمه المسائل المقفلة من العلم ويطالبونه بإحضار


[١] وفي نسخة أخرى: يورد.

<<  <  ج: ص:  >  >>