للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيرهما للشّرعيّات كالمنطق للفلسفة. وربّما كان آلة لعلم الكلام ولأصول الفقه على طريقة المتأخّرين فأمّا العلوم الّتي هي مقاصد فلا حرج في توسعة الكلام فيها وتفريع المسائل واستكشاف الأدلّة والأنظار فإنّ ذلك يزيد طالبها تمكّنا في ملكته وإيضاحا لمعانيها المقصودة. وأمّا العلوم الّتي هي آلة لغيرها مثل العربيّة والمنطق وأمثالهما فلا ينبغي أن ينظر فيها إلّا من حيث هي آلة لذلك الغير فقط. ولا يوسّع فيها الكلام ولا تفرّع المسائل لأنّ ذلك مخرج لها عن المقصود إذ المقصود منها ما هي آلة له لا غير. فكلّما خرجت عن ذلك خرجت عن المقصود وصار الاشتغال بها لغوا مع ما فيه من صعوبة الحصول على ملكتها بطولها وكثرة فروعها. وربّما يكون ذلك عائقا عن تحصيل العلوم المقصودة بالذّات لطول وسائلها مع أنّ شأنها أهمّ والعمر يقصر عن تحصيل الجميع على هذه الصّورة فيكون الاشتغال بهذه العلوم الآليّة تضييعا للعمر وشغلا بما لا يغني. وهذا كما فعل المتأخّرون في صناعة النّحو وصناعة المنطق وأصول الفقه لأنّهم أوسعوا دائرة الكلام فيها وأكثروا من التّفاريع والاستدلالات بما أخرجها عن كونها آلة وصيّرها من المقاصد [١] وربّما يقع فيها لذلك أنظار ومسائل لا حاجة بها في العلوم المقصودة فهي من نوع اللّغو وهي أيضا مضرّة بالمتعلّمين على الإطلاق لأنّ المتعلّمين اهتمامهم بالعلوم المقصودة أكثر من اهتمامهم بوسائلها [٢] فإذا قطعوا العمر في تحصيل الوسائل فمتى يظفرون بالمقاصد؟ فلهذا يجب على المعلّمين لهذه العلوم الآليّة أن لا يستبحروا في شأنها ولا يستكثروا من مسائلها وينبّهوا المتعلّم على الغرض منها ويقفوا به عنده. فمن نزعت به همّته بعد ذلك إلى شيء من التّوغّل ورأى من نفسه قياما بذلك وكفاية به فليرقّ [٣] له ما شاء من المراقي صعبا أو سهلا وكلّ ميسّر لما خلق له.


[١] وفي نسخة أخرى: وصيرها مقصودة بذاتها.
[٢] وفي نسخة أخرى: بهذه الآلات والوسائل.
[٣] وفي نسخة أخرى: فليختر لنفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>