للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أساليبهم وترتيب ألفاظهم فتحصل له هذه الملكة بهذا الحفظ والاستعمال ويزداد بكثرتهما رسوخا وقوّة ويحتاج مع ذلك إلى سلامة الطّبع والتّفهّم الحسن لمنازع العرب وأساليبهم في التّراكيب ومراعاة التّطبيق بينها وبين مقتضيات الأحوال.

والذّوق يشهد بذلك وهو ينشأ ما بين هذه الملكة والطّبع السّليم فيهما كما نذكر. وعلى قدر المحفوظ وكثرة الاستعمال تكون جودة المقول المصنوع نظما ونثرا. ومن حصل على هذه الملكات فقد حصل على لغة مضر وهو النّاقد البصير بالبلاغة فيها وهكذا ينبغي أن يكون تعلّمها. والله يهدي من يشاء بفضله وكرمه.

[الفصل الخمسون في أن ملكة هذا اللسان غير صناعة العربية ومستغنية عنها في التعليم]

والسّبب في ذلك أنّ صناعة العربيّة إنّما هي معرفة قوانين هذه الملكة ومقاييسها خاصّة. فهو علم بكيفيّة لا نفس كيفيّة. فليست نفس الملكة وإنّما هي بمثابة من يعرف صناعة من الصّنائع علما ولا يحكمها عملا. مثل أن يقول بصير بالخياطة غير محكم لملكتها في التّعبير عن بعض أنواعها الخياطة هي أن يدخل الخيط في خرت الإبرة ثمّ يغرزها في لفقي الثّوب مجتمعين ويخرجها من الجانب الآخر بمقدار كذا ثمّ يردّها إلى حيث ابتدأت ويخرجها قدّام منفذها الأوّل بمطرح ما بين الثّقبين الأوّلين ثمّ يتمادى على ذلك إلى آخر العمل ويعطي صورة الحبك والتّثبيت [١] والتّفتيح وسائر أنواع الخياطة وأعمالها. وهو إذا طولب أن يعمل ذلك بيده لا يحكم منه شيئا. وكذا لو سئل عالم بالنّجارة عن تفصيل الخشب فيقول: هو أن تضع المنشار على رأس الخشبة وتمسك بطرفه وآخر


[١] وفي نسخة أخرى: التنبيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>