للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبالتك ممسك بطرفه الآخر وتتعاقبانه بينكما وأطرافه المضرّسة المحدّدة تقطع ما مرّت عليه ذاهبة وجائية إلى أن ينتهي إلى آخر [١] الخشبة. وهو لو طولب بهذا العمل أو شيء منه لم يحكمه. وهكذا العلم بقوانين الإعراب مع هذه الملكة في نفسها فإنّ العلم بقوانين الإعراب إنّما هو علم بكيفيّة العمل وليس هو نفس العمل ولذلك نجد كثيرا من جهابذة النّحاة والمهرة في صناعة العربيّة المحيطين علما بتلك القوانين إذا سئل في كتابة سطرين إلى أخيه أو ذي مودّته أو شكوى ظلامة أو قصد من قصوده أخطأ فيها عن الصّواب وأكثر من اللّحن ولم يجد تأليف الكلام لذلك والعبارة عن المقصود على أساليب اللّسان العربيّ. وكذا نجد كثيرا ممّن يحسن هذه الملكة ويجيد الفنّين من المنظوم والمنثور وهو لا يحسن إعراب الفاعل من المفعول ولا المرفوع من المجرور ولا شيئا من قوانين صناعة العربيّة.

فمن هذا تعلم أنّ تلك الملكة هي غير صناعة العربيّة وأنّها مستغنية عنها بالجملة. وقد نجد بعض المهرة في صناعة الإعراب بصيرا بحال هذه الملكة وهو قليل واتّفاقيّ وأكثر ما يقع للمخالطين لكتاب سيبويه. فإنّه لم يقتصر على قوانين الإعراب فقط بل ملأ كتابه من أمثال العرب وشواهد أشعارهم وعباراتهم فكان فيه جزء صالح من تعليم هذه الملكة فتجد العاكف عليه والمحصّل له قد حصل على حظّ [٢] من كلام العرب واندرج في محفوظه في أماكنه ومفاصل حاجاته. وتنبّه به لشأن الملكة فاستوفى تعليمها فكان أبلغ في الإفادة. ومن هؤلاء المخالطين لكتاب سيبويه من يغفل عن التّفطّن لهذا فيحصل على علم اللّسان صناعة ولا يحصل عليه ملكة. وأمّا المخالطون لكتب المتأخّرين العارية عن ذلك إلّا من القوانين النحويّة مجرّدة عن أشعار العرب وكلامهم، فقلّ ما يشعرون لذلك بأمر هذه الملكة أو ينتبهون لشأنها فتجدهم يحسبون أنّهم قد


[١] وفي النسخة الباريسية: أسفل.
[٢] وفي نسخة أخرى: على خط.

<<  <  ج: ص:  >  >>