للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العربيّ. وما ذلك إلّا لما سبق إلى ألسنتهم من ملكة اللّسان الآخر حتّى إنّ طالب العلم من أهل هذه الألسن إذا طلبه بين أهل اللّسان العربيّ جاء مقصّرا في معارفه عن الغاية والتّحصيل وما أوتي إلّا من قبل اللّسان. وقد تقدّم لك من قبل أنّ الألسن واللّغات شبيهة بالصّنائع. وقد تقدّم لك أنّ الصّنائع وملكاتها لا تزدحم.

وأنّ من سبقت له إجادة في صناعة فقلّ أن يجيد في أخرى أو يستولي فيها على الغاية. وَالله خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ٣٧: ٩٦.

[الفصل الخامس والخمسون في صناعة الشعر ووجه تعلمه]

هذا الفنّ من فنون كلام العرب وهو المسمّى بالشّعر عندهم ويوجد في سائر اللّغات إلّا أنّنا الآن إنّما نتكلّم في الشّعر الّذي للعرب. فإن أمكن أن تجد فيه أهل الألسن الأخرى مقصودهم من كلامهم وإلّا فلكلّ لسان أحكام في البلاغة تخصّه.

وهو في لسان العرب غريب النّزعة عزيز المنحى إذ هو كلام مفصّل قطعا قطعا متساوية في الوزن متّحدة في الحرف الأخير من كلّ قطعة وتسمّى كلّ قطعة من هذه القطعات عندهم بيتا ويسمّى الحرف الأخير الّذي تتّفق فيه رويّا وقافية ويسمّى جملة الكلام إلى آخره قصيدة وكلمة. وينفرد كلّ بيت منه بإفادته في تراكيبه حتّى كأنّه كلام وحده مستقلّ عمّا قبله وما بعده. وإذا أفرد كان تامّا في بابه في مدح أو تشبيب [١] أو رثاء فيحرص الشّاعر على إعطاء ذلك البيت ما يستقلّ في إفادته. ثمّ يستأنف في البيت الآخر كلاما آخر كذلك ويستطرد للخروج من فنّ إلى فنّ ومن مقصود إلى مقصود بأن يوطّئ المقصود الأوّل ومعانيه إلى أن يناسب المقصود الثّاني ويبعد الكلام عن التّنافر. كما يستطرد من التّشبيب [١] إلى المدح ومن وصف البيداء والطّلول إلى وصف الرّكاب أو الخيل أو


[١] وفي نسخة أخرى: نسيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>