للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطّيف ومن وصف الممدوح إلى وصف قومه وعساكره ومن التّفجّع والعزاء في الرّثاء إلى التّأثّر [١] وأمثال ذلك. ويراعي فيه اتّفاق القصيدة كلّها في الوزن الواحد حذرا من أن يتساهل الطّبع في الخروج من وزن إلى وزن يقاربه. فقد يخفى ذلك من أجل المقاربة على كثير من النّاس ولهذه الموازين شروط وأحكام تضمّنها علم العروض. وليس كلّ وزن يتّفق في الطّبع استعملته العرب في هذا الفنّ وإنّما هي أوزان مخصوصة تسمّيها أهل تلك الصّناعة البحور. وقد حصروها في خمسة عشر بحرا بمعنى أنّهم لم يجدوا للعرب في غيرها من الموازين الطّبيعيّة نظما. واعلم أنّ فنّ الشّعر من بين الكلام كان شريفا عند العرب. ولذلك جعلوه ديوان علومهم وأخبارهم وشاهد صوابهم وخطئهم وأصلا يرجعون إليه في الكثير من علومهم وحكمهم. وكانت ملكته مستحكمة فيهم شأن الملكات كلّها. والملكات اللّسانيّة كلّها إنّما تكتسب بالصّناعة والارتياض في كلامهم حتّى يحصل شبه في تلك الملكة. والشّعر من بين فنون الكلام صعب المأخذ على من يريد اكتساب ملكته بالصّناعة من المتأخّرين لاستقلال كلّ بيت منه بأنّه كلام تامّ في مقصوده ويصلح أن ينفرد دون ما سواه فيحتاج من أجل ذلك إلى نوع تلطّف في تلك الملكة حتّى يفرغ الكلام الشّعريّ في قوالبه الّتي عرفت له في ذلك المنحى من شعر العرب ويبرزه مستقلّا بنفسه. ثمّ يأتي ببيت آخر كذلك ثمّ ببيت آخر ويستكمل الفنون الوافية بمقصوده. ثمّ يناسب بين البيوت في موالاة بعضها مع بعض بحسب اختلاف الفنون الّتي في القصيدة. ولصعوبة منحاه وغرابة فنّه كان محكّا للقرائح في استجادة أساليبه وشحذ الأفكار في تنزيل الكلام في قوالبه. ولا يكفي فيه ملكة الكلام العربيّ على الإطلاق بل يحتاج بخصوصه إلى تلطّف ومحاولة في رعاية الأساليب الّتي اختصّته العرب بها واستعمالها فيه. لنذكر هنا سلوك [٢]


[١] وفي نسخة أخرى: التأبين.
[٢] وفي نسخة أخرى: مدلول لفظة.

<<  <  ج: ص:  >  >>