للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلاغة. فتندرج قوانين العربيّة لذلك في قوانين علم المعاني لأنّ إفادتها الإسناد جزء من إفادتها للأحوال المكتنفة بالإسناد. وما قصّر من هذه التراكيب عن إفادة مقتضى الحال لخلل في قوانين الإعراب أو قوانين المعاني كان قاصرا عن المطابقة لمقتضى الحال، ولحق بالمهمل الّذي هو في عداد الموات.

ثمّ يتبع هذه الإفادة لمقتضى الحال التفنن في انتقال التركيب بين المعاني بأصناف الدلالات، لأنّ التركيب يدلّ بالوضع على معنى، ثمّ ينتقل الذّهن إلى لازمه أو ملزومه أو شبهه، فيكون فيها مجازا: إمّا باستعارة أو كناية كما هو مقرّر في موضعه، ويحصل للفكر بذلك الانتقال لذّة كما تحصل في الإفادة وأشدّ. لأنّ في جميعها ظفر بالمدلول من دليله. والظّفر من أسباب اللّذّة كما علمت. ثمّ لهذه الانتقالات أيضا شروط وأحكام كالقوانين صيّروها صناعة، وسمّوها بالبيان.

وهي شقيقة علم المعاني المفيد لمقتضى الحال، لأنّها راجعة إلى معاني التراكيب ومدلولاتها. وقوانين علم المعاني راجعة إلى أحوال التراكيب أنفسها من حيث الدلالة. واللّفظ والمعنى متلازمان متضايقان كما علمت. فإذا علم المعاني وعلم البيان هما جزء البلاغة، وبهما كمال الإفادة، فهو مقصّر عن البلاغة ويلتحق عند البلغاء بأصوات الحيوانات العجم وأجدر به أن لا يكون عربيا، لأنّ العربيّ هو الّذي يطابق بإفادته مقتضى الحال. فالبلاغة على هذا هي أصل الكلام العربيّ وسجيّته وروحه وطبيعته.

ثمّ اعلم أنّهم إذا قالوا: «الكلام المطبوع» فإنّهم يعنون به الكلام الّذي كملت طبيعته وسجيّته من إفادة مدلوله المقصود منه، لأنّه عبارة وخطاب، ليس المقصود منه النطق فقط. بل المتكلّم يقصد به أن يفيد سامعه ما في ضميره إفادة تامّة، ويدلّ به عليه دلالة وثيقة. ثمّ يتبع تراكيب الكلام في هذه السجيّة الّتي له بالأصالة ضروب من التحسين والتزيين، بعد كمال الإفادة وكأنّها تعطيها رونق الفصاحة من تنميق الأسجاع، والموازنة بين حمل الكلام وتقسيمه

<<  <  ج: ص:  >  >>