للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مذاهب الشّعر وأغراضه من النّسيب والمدح والرّثاء والهجاء ويستطردون في الخروج من فنّ إلى فنّ في الكلام. وربّما هجموا على المقصود لأوّل كلامهم وأكثر ابتدائهم في قصائدهم باسم الشّاعر ثمّ بعد ذلك ينسبون. فأهل أمصار المغرب من العرب يسمّون هذه القصائد بالأصمعيّات نسبة إلى الأصمعيّ راوية العرب في أشعارهم. وأهل المشرق من العرب يسمّون هذا النّوع من الشّعر بالبدويّ والحورانيّ والقيسيّ. وربّما يلحنون فيه ألحانا بسيطة لا على طريقة الصّناعة الموسيقيّة. ثمّ يغنّون به ويسمّون الغناء به باسم الحورانيّ نسبة إلى حوران من أطراف العراق والشّام وهي من منازل العرب البادية ومساكنهم إلى هذا العهد.

ولهم فنّ آخر كثير التّداول في نظمهم يجيئون به معصّبا على أربعة أجزاء يخالف آخرها الثّلاثة في رويّه ويلتزمون القافية الرّابعة في كلّ بيت إلى آخر القصيدة شبيها بالمربّع والمخمّس الّذي أحدثه المتأخّرون من المولّدين. ولهؤلاء العرب في هذا الشّعر بلاغة فائقة وفيهم الفحول والمتأخّرون والكثير من المنتحلين للعلوم لهذا العهد وخصوصا علم اللّسان يستنكر صاحبها هذه الفنون الّتي لهم إذا سمعها ويمجّ نظمهم إذا أنشد ويعتقد أنّ ذوقه إنّما نبا عنها لاستهجانها وفقدان الإعراب منها. وهذا إنّما أتى من فقدان الملكة في لغتهم فلو حصلت له ملكة من ملكاتهم لشهد له طبعه وذوقه ببلاغتها إن كان سليما من الآفات في فطرته ونظره وإلّا فالإعراب لا مدخل له في البلاغة إنّما البلاغة مطابقة الكلام للمقصود ولمقتضى الحال من الوجود فيه سواء كان الرّفع دالّا على الفاعل والنّصب دالّا على المفعول أو بالعكس وإنّما يدلّ على ذلك قرائن الكلام كما هو في لغتهم هذه. فالدّلالة بحسب ما يصطلح عليه أهل الملكة فإذا عرف اصطلاح في ملكة واشتهر صحّة الدّلالة وإذا طابقت تلك الدّلالة المقصود ومقتضى الحال صحّت البلاغة ولا عبرة بقوانين النّحاة في ذلك. وأساليب الشّعر وفنونه موجودة في أشعارهم هذه ما عدا حركات الإعراب في أواخر الكلم فإنّ غالب كلماتهم موقوفة الآخر. ويتميّز

<<  <  ج: ص:  >  >>