للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبعث المهدي أبا هريرة في ألف فارس فأخذه الى المهدي. ولم يزل يراوضه ويراوده حتى أجاب الى خلع نفسه. فعوضه عنها عشرة آلاف دينار وبايع للمهدي ولابنه موسى الهادي. وفي ايام المهدي خرج بخراسان [١] رجل يقال له يوسف البرم واستغوى خلقا فبعث اليه المهدي جيوشا ففضوا جموعه وأسروه وحملوه الى المهدي. فأمر به فصلب. وخرج المقنّع وادعى النبوة وقال بتناسخ الأرواح واتّبعه أناس كثيرون. وكان هذا رجلا قصيرا اعور من قرية بمرو يقال لها كره. وكان لا يسفر عن وجهه لأصحابه فلذلك قيل له المقنع. وكان يحسن شيئا من الشعبذة وأبواب النيرنجيات فاستغوى اهل العقول الضعيفة واستمالهم، فبعث المهدي في طلبه فصار الى ما وراء النهر وتحصن في قلعة نكس [٢] وجمع فيها من الطعام والعلوفة وبثّ الدعاة في الناس وادعى احياء الموتى وعلم الغيب. وألح المهدي في طلبه فحوصر. فلما اشتد الحصار عليه وأيقن بالهلاك جمع نساءه واهله كلهم وسقاهم السم فماتوا عن آخرهم. واحرق كلما في القلعة من دابة وثوب وطعام. وألقى نفسه في النار لئلا يلقى جسده العدوّ. ودخل العسكر القلعة ووجدوها خالية خاوية. وكان ذلك مما زاد في افتتان من بقي من أصحابه بما وراء النهر.

وكان وعدهم ان تتحول روحه الى قالب رجل اشمط على برذون اشهب وانه يعود إليهم بعد كذا سنة ويملكهم الأرض. فهم بعد ينتظرونه ويسمّون المبيضة. وفي سنة خمس وستين ومائة سير المهدي ابنه الرشيد لغزو الروم. فسار حتى بلغ خليج القسطنطينية.

وصاحب الروم يومئذ ايريني امرأة لاون الملك. وذلك ان ابنها كان صغيرا قد هلك أبوه وهو في حجرها. فجزعت المرأة من المسلمين وطلبت الصلح من الرشيد. فجرى الصلح بينهم على الفدية وان تقيم له الادلّاء والأسواق في طريقه. وذلك انه دخل مدخلا ضيقا مخوفا من احد جانبيه جبل وعر ومن جانبه الآخر نهر ساغريس. فأجابته الى ذلك ومقدار الفدية سبعون ألف دينار لكل سنة. ورجع عنها. ولو كانت ذات همة لامكنها منع المسلمين من الخروج والفتك بهم. وفي سنة تسع وستين ومائة عزم المهدي على خلع ابنه موسى الهادي والبيعة للرشيد بولاية العهد. فبعث اليه وهو بجرجان في المعنى.

فلم يفعل وامتنع من القدوم ايضا. فسار المهدي يريده. فلما بلغ ماسبذان عمدت حسنة جاريته الى كمثرى فأهدته الى جارية أخرى كان المهدي يتحظاها وسمّت منه


[١-) ] خرج بخراسان إلخ ر خرج رجل يقال له يوسف الزم (ر اليزم) واستغوى خلقا وخرج بوسا (ر بوشا) وادعى النبوءة فبعث إلخ.
[٢-) ] نكس وتكش.