للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها ظهر بالشام رجل من القرامطة وجمع جموعا من الاعراب وأتى دمشق وبها طغج ابن جف [١] من قبل هرون بن خمارويه بن اخمد بن طولون وكانت بينهم وقعات. وفي سنة احدى وتسعين ومائتين خرجت الترك في خلق كثير لا يحصون الى ما وراء النهر وكان في عسكرهم سبعمائة قبّة تركية ولا تكون الا للرؤساء منهم. فسار إليهم جيش المسلمين وكبسوهم مع الصبح فقتلوا منهم خلقا عظيما وانهزم الباقون. وفيها خرج الروم في عشرة صلبان مع كل صليب عشرة آلاف الى الثغور فأغاروا وسبوا وأحرقوا. وفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين جهّز المكتفي الى هرون بن خمارويه جيشا في البرّ والبحر فحاصروه بمصر وجرى بينهم قتال شديد وو قطعات كثيرة آخرها ان بعض الرماة من اصحاب المكتفي رمى هرون بمزراق معه فقتله وانهزم المصريون وكان هو آخر أمراء آل طولون وانقرضت الدولة الطولونيّة في هذه السنة. وفي سنة ثلث وتسعين ومائتين أغارت الروم على قورس ودخلوها فأحرقوا جامعها وساقوا من بقي من أهلها لأنهم قتلوا أكثرهم. وفي سنة خمس وتسعين ومائتين في ذي القعدة توفي المكتفي بالله وكانت خلافته ستّ سنين وستة أشهر وكان عمره ثلثا وثلثين سنة.

وفي ايام المكتفي اشتهر يوسف الساهر الطبيب ويعرف ايضا بالقسّ وكان مشهور الذكر مكبّا على الطبّ كثير الاجتهاد في تحصيل الفوائد وسمّي الساهر لأنه كان لا ينام في الليل الّا ربعه او أزيد ثم يسهر في طلب العلم. وقيل انما سمّي الساهر لان سرطانا كان في مقدّم رأسه وكان يمنعه النوم. وإذا تأمل متأمل كنّاشه رأى فيه أشياء تدلّ على انه كان به هذا المرض.

[(المقتدر بن المعتضد)]

لما ثقل المكتفي في مرضه استشار الوزير وهو حينئذ العباس ابن الحسن أصحابه فيمن يصلح للخلافة. فقالوا له: اتّق الله ولا تولّ من قد لقي الناس ولقوه وعاملهم وعاملوه وتحنّك [٢] وحسب حساب نعم الناس وعرف وجوه دخلهم وخرجهم.

فقال الوزير: صدقتم ونصحتم. فبمن تشيرون. قالوا: أصلح الموجودين جعفر بن المعتضد. قال: ويحكم هو صبيّ. قال ابن الفرات: الا انه ابن المعتضد ولا نأتي برجل كامل يباشر الأمور بنفسه غير محتاج إلينا [٣] . فركن الوزير الى قولهم. فلما مات المكتفي


[١-) ] جف ر خف.
[٢-) ] وتحنّك ر وتحييل.
[٣-) ] إلينا ر الى مشاور.