للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنة تسع وثمانين حكم المنجمون بطوفان يكون في الناس يقارب طوفان نوح. فأحضر الخليفة ابن عيسون المنجم فسأله. فقال: ان في طوفان نوح اجتمعت الكواكب السبعة في برج الحوت والآن فقد اجتمع ستة منها وليس فيها زحل فلو كان معها لكان مثل طوفان نوح ولكن أقول ان مدينة او بقعة من الأرض يجتمع فيها عالم كثير من بلاد كثيرة فيغرقون. فخافوا على بغداد لكثرة من يجتمع فيها من البلاد فأحكمت المسنّيات والمواضع التي يخشى منها الانفجار. فاتفق ان الحجّاج نزلوا في وادي المناقب فأتاهم سيل عظيم فأغرق أكثرهم ونجا من تعلّق بالجبال وذهب المال والدوابّ والأزواد. فخلع الخليفة على المنجم. وفي سنة تسعين واربعمائة قتل ملك خراسان ارسلان ارغون بن ألب ارسلان أخو السلطان ملكشاه قتله غلام له. فقيل له: لم فعلت هذا. فقال: لا ريح الناس من ظلمه. ثم ملك بركيارق خراسان وسلمها الى أخيه الملك سنجر. وفي سنة احدى وتسعين جمع بردويل ملك الافرنج [١] جمعا كثيرا وخرج الى بلاد الشام وملك انطاكية. وكان الافرنج قبل هذا قد ملكوا مدينة طليطلة من بلاد الأندلس وغيرها ثم قصدوا جزيرة سقليّة فملكوها وتطرقوا الى أطراف افريقية فملكوا منها شيئا. فلما سمع قوام الدولة كربوقا [٢] بحال الافرنج وملكهم انطاكية جمع العساكر وسار الى الشام ونزل على انطاكية وحاصرها وفيها من الملوك بردويل وسنجال وكندفري والقومص صاحب الرها وبيموند صاحب انطاكية. وقلّت الأقوات عندهم فأرسلوا الى كربوقا يطلبون منه الامان ليخرجوا من البلد فلم يعطهم وقال: لا تخرجون الا بالسيف. وكان مع الافرنج راهب مطاع فيهم وكان داهية من الرجال فقال لهم: ان فطروس السليح كان له عكازة ذات زجّ مدفونة بكنيسة القسيان [٣] فان وجدتموها فإنكم تظفرون والا فالهلاك متحقق.

وأمرهم بالصوم والتوبة ففعلوا ذلك ثلثة ايام. فلما كان اليوم الرابع أدخلهم الموضع جميعهم ومعهم عامّتهم وحفروا عليها في جميع الأماكن فوجدوها كما ذكر. فقال لهم: أبشروا بالظفر. فقويت عزيمتهم وخرجوا اليوم الخامس من الباب متفرّقين من خمسة وستة ونحو ذلك. فقال المسلمون لكربوقا [٢] : ينبغي ان تقف على الباب فتقتل كلّ من خرج.

فقال: لا تفعلوا لكن امهلوهم حتى يتكامل خروجهم فنقتلهم. فلما تكاملوا ولم يبق بأنطاكية احد منهم ضربوا مصافّا عظيما فولّى المسلمون منهزمون وآخر من انهزم


[١-) ] لم يكن ملك الفرنج بل من امرائهم والذي أوهم المؤلف هو انه ملك على أورشليم.
[٢-) ] كربوقا ر كدبوقا.
[٣-) ] هي الحربة التي طعن بها جنب المسيح وكانت مدفونة في كنيسة القديس بطرس الرسول بالقرب من المذبح.
وقد روى هذا الخبر ثقات من المؤرخين كريموند دي اجيل وكان ممن شهدوا المعجزة.