للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوما. وفي سنة سبع وستين وخمسمائة لما ثبت قدم صلاح الدين بمصر وضعف امر الخليفة العاضد بها وصار قصره يحكم فيه صلاح الدين ونائبه قراقوش وهو خصيّ من اعيان الأمراء الاسديّة كلهم يرجعون اليه عزم على قطع خطبة العاضد وكان يخاف المصريين. وكان قد دخل الى مصر رجل أعمى [١] يعرف بالأمير العالم فلما رأى ما هو فيه من الاحجام وان أحدا لا يتجاسر يخطب للعباسيين قال: انا ابتدئ بالخطبة للمستضيء. فلما كان اوّل جمعة من المحرّم صعد المنبر قبل الخطيب ودعا للمستضيء فلم ينكر احد ذلك فقطع الخطباء كلهم بمصر خطبة العاضد وخطبوا للمستضيء ولم ينتطح فيها عنزان. وتوفّي العاضد يوم عاشوراء ولم يعلموه بقطع خطبته.

وفيها عبر الخطا [٢] نهر جيحون يريدون خوارزم. فسار صاحبها خوارزم شاه ارسلان بن اقسز [٣] في عساكره الى أموّية [٤] ليقاتلهم ويصدّهم فمرض فأقام بها وسيّر جيشه مع امير كبير إليهم فلقيهم فانهزم الخوارزميّون وأسر مقدّمهم ورجع به الخطا الى ما وراء النهر. وعاد خوارزم شاه الى خوارزم مريضا وتوفّي بها وملك بعده ابنه سلطان شاه محمود. وكان ابنه الأكبر علاء الدين تكش مقيما في جنده [٥] فقصد ملك الخطا واستمدّه على أخيه. فسيّر معه جيشا كثيفا مقدّمهم فوما [٦] وساروا حتى قاربوا خوارزم فخرج سلطان شاه منها ومعه امّه وقصد خراسان وملك تكش خوارزم.

وفي سنة تسع وستين وخمسمائة توفّي نور الدين محمود بن زنكي بن اقسنقر صاحب الشام وديار الجزيرة ومصر يوم الأربعاء حادي عشر شوّال [٧] ولم يكن في سير


[١-) ] يروى في الكامل «اعجمي» بدل أعمى ولعلها الصواب.
[٢-) ] الخطا ويروى الخطاي قوم من التتر الشرقيين تملكوا بلاد الصين الشمالية وجزءا من بلاد التتر. ثم ان الصينيين استنصروا التتر الساكنين في شمالي كوريا والمسمين (نيوتشي) وهم أجداد (المندشو) على الخطا.
فنصروهم وغصبوا الملك وكانت منهم الأسرة الملكية المعروفة بآل كين اي آل الذهب. فانتقل قسم عظيم من الخطا نحو الغرب واستوطنوا بلاد كاشغر وهي التي تسمى قرا خطا ومعنى قرا الأسود.
[٣-) ] اقسز واقسيس هو اللفظ الذي أدرجته العامة على اسم اتسز وأصله في التركية ادسز ومعناه غير مسمى.
[٤-) ] اموية وتسمى ايضا آمو وآمل مدينة مشهورة في غربي جيحون على طريق القاصد الى بخارا من مرو.
ويقابلها في شرقي جيحون فربر وبينها وبين شاطئ جيحون نحو ميل ويقال لهذه آمل زم وآمل جيحون وآمل الشط وآمل المفازة لان بينها وبين مرو رمالا صعبة المسلك ومفازة أشبه بالمهلك. وبين آمل هذه وبخارا سبعة عشر فرسخا. وبخارا في شرقي جيحون.
[٥-) ] جند مدينة عظيمة في بلاد تركستان بينها وبين خوارزم عشرة ايام تلقاء بلاد الترك من ما وراء النهر قريب من نهر سيحون.
[٦-) ] ويروى قوما. وروى ابن الأثير قرما. وفوما لفظة صينية معناها صهر.
[٧-) ] كان مولده سنة احدى عشرة وخمسمائة.