للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العساكر وملتقاهم بتخوم خراسان قبل تمكنهم واستيلائهم على العراق فكان يقول: انا بغداد تكفيني ولا يستكثرونها لي إذا نزلت لهم عن باقي البلاد ولا ايضا يهجمون عليّ وانا بها وهي بيتي ودار مقامي. فهذه الخيالات الفاسدة وأمثالها عدلت به عن الصواب فأصيب بمكاره لم تخطر بباله.

وفي سنة احدى وأربعين غزا يساور نوين [١] الشام ووصل الى موضع يسمّى حيلان على باب حلب وعاد عنها لحفي أصاب خيول المغول واجتاز بملطية وخرّب بلدها ورعى غلّاتها وبساتينها وكرومها وأخذ منها أموالا عظيمة حتى خشل النساء وصلبان البيع ووجوه الأناجيل وآنية القداس المصوغة من الذهب والفضة ثم رحل عنها. وطلب طبيبا يداويه في سحج عرض له فأخرج اليه والدي وسار معه الى خرتبرت فدبّره حتى برأ. ثم جاء ولم يطل المقام بملطية ورحل بنا الى انطاكية فسكنّاها. وأقحطت البلاد بعد ترحال التاتار ووبئت الأرض فهلك عالم وباع الناس أولادهم باقراص الخبز.

وفي سنة اثنتين وأربعين أغار التاتار على بلد بغداد ولم يتمكنوا من منازلتها. وفيها سيّر السلطان غياث الدين جيشا عظيما الى مدينة طرسوس فحاصروها مدة وضيّقوا عليها وكادوا يفتحونها عنوة فاتفق ان مات السلطان غياث الدين في تلك الأيام. فلما بلغهم موت السلطان رحلوا عنها خائبين وكان الوقت خريفا وتواترت على الروميّين الأمطار وتوحّلت خيولهم فنال منهم رجّالة الأرمن وغنموا اثقالهم. وكان السلطان غياث الدين مقبلا على المجون وشرب الشراب غير مرضيّ الطريقة منغمسا في الشهوات الموبقة تزوّج ابنة ملك الكرج فشغفه حبّها وهام بها الى حدّ ان أراد تصويرها على الدراهم فأشير عليه ان يصوّر صورة اسد عليه شمس لينسب الى طالعه ويحصل به الغرض. وخلّف غياث الدين ثلثة بنين عزّ الدين وأمّه روميّة ابنة قسيس وركن الدين وأمّه ايضا روميّة وعلاء الدين وأمّه الكرجية. فولي السلطنة عزّ الدين وهو الكبير وحلف له الأمراء وخطب له على المنابر وكان مدبّره والاتابك له الأمير جلال الدين قرطاي [٢] رجل خيّر ديّن صائم الدهر ممتنع عن أكل اللحم ومباشرة النساء لم ينم في فراش وطيء وانما كان نومه على الصناديق في الخزانة [٣] أصله روميّ وهو من مماليك السلطان علاء الدين وتربيته وكان له الحرمة الوافرة عند الخاصّ والعامّ. وفي سنة ثلث وأربعين تردّدت


[١-) ] ويروى: نساور. ويروى: في نسخة تاريخ مخطوط: بساور.
[٢-) ] ويروى: قراطي وقراطاي.
[٣-) ] في الخزانة ر والخزانة.