للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ذلك أن المالك إذا حضرته الوفاة عليه أن يوصي لوالديه، وأقاربه من تركته بالمعروف. وقوله تعالى في آية التوريث: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ... } الآية، يدل على أن الله قسم تركة كل مالك بين ورثته حسبما اقتضت حكمته، ولم يعد التقسيم حقًّا للمورث نفسه، وهذا الحكم يعارض الأول، فهو ناسخ له على رأي الجمهور. ولذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعدما نزلت آية المواريث: "وإن الله أعطى لكل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث".

ومثاله في التشريع الوضعي الأمر الملكي الصادر بدستور سنة ١٩٢٣، فإنه تضمن أحكامًا كثيرة تخالف الأحكام الدستورية السابقة عليه، ولم ينص صراحة على إلغائها فاعتبر ناسخا لها ضمنا؛ وقانون العقوبات الجديد لم ينص صراحة على إلغاء ما خالف أحكامه من قوانين العقوبات السابقة، فاعتبر ناسخا لها ضمنا. ويرى بعض رجال التشريع الاكتفاء بهذا النسخ الضمني، والاستغناء عن التصريح بالنسخ؛ لأنه تأكيد في مقام لا يقتضي التأكيد؛ فإن تشريع الشارع حكمًا معارضًا لحكم شرعه من قبل، ولا يمكن الجمع بينهما هو عدول من الشارع عن حكمه السابق، وإبطال له من غير حاجة إلى التصريح بأنه عدل عنه أو أبطله.

وقد يكون النسخ كليا وقد يكون جزئيا.

فالنسخ الكلي: أن يبطل الشارع حكما شرعه من قبل إبطالا كليا بالنسبة إلى كل فرد من أفراد المكلفين؛ كما أبطل إيجاب الوصية للوالدين والأقربين بتشريع أحكام التوريث ومنع الوصية للوارث، وكما أبطل اعتداد المتوفى عنها زوجها حولًا باعتدادها أربعة أشهر وعشرا. فقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} . ثم قال سبحانه: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} .

والنسخ الجزئي: أن يشرع الحكم عاما شاملا كل فرد من أفراد المكلفين، ثم يلغى هذا الحكم بالنسبة لبعض الأفراد، أو يشرع الحكم مطلقا، ثم يلغى بالنسبة لبعض الحالات. فالنص الناسخ لا يبطل العمل بالحكم الأول أصلا، ولكن يبطله بالنسبة لبعض الأفراد أو بعض الحالات.

مثال ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} يدل على أن قاذف المحصنة الذي لم يقم بينة على ما قذف به يجلد ثمانين جلدة، سواء كان زوجها أم غيره. وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ

<<  <   >  >>