للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يناسبها، فقد تقتضي المناسبة الدلالة على تحريم الشيء بالوعيد على فعله، وقد تقتضي التصريح بتحريمه، فالمناسبة التي اقتضت تشريع الحكم الخاص اقتضت أسلوبًا خاصًّا في بيانه.

وسبب آخر لتنوع هذه الأساليب: أن القرآن لم يقصد منه بيان ما تضمنه من عقائد وأخلاق وتشريع فحسب، وإنما قصد منه مع هذا إعجاز الناس عن أن يأتوا بمثله ليكون برهانًا على صدق الرسول، ومن وجوه الإعجاز تنوع أساليب البيان.

وكما تنوعت أساليب النصوص من ناحية صيغها وعباراتها، تنوعت من ناحية أخرى وهي أن بعض النصوص تتبع بيان الحكم ببيان علته وحكمة تشريعه، وبعضها تقرر الحكم مجردا عن بيان علته، والحكمة في هذا أن الشارع ببيانه علة التشريع، وحكمته في بعض الأحكام يلفت العقول إلى أن الأحكام التشريعية ليست تعبدية وإنما هي معللة بمصالح الناس، ويفتح باب الاجتهاد في تشريع كل ما يحقق مصلحة أو يدفع مفسدة.

أنواع الأحكام التي اشتملت عليها هذه النصوص:

الأحكام على وجه عام تنقسم ثلاثة أقسام، القسم الأول: أحكام اعتقادية تتعلق بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقسم الثاني: أحكام خلقية تتعلق بالفضائل التي يجب على الإنسان أن يتحلى بها، والرذائل التي يجب على الإنسان أن يتخلى عنها، والقسم الثالث: أحكام عملية تتعلق بأعمال المكلفين من عبادات ومعاملات، وجنايات، وخصومات، وعقود وتصرفات.

فأما النوع الأول فهو: أساس الدين، أما النوع الثاني: فهو مكمل هذا الأساس ومتممه وقد أفاض القرآن، وأسهبت السنة في بيانهما وإقامة براهينهما.

وقد ابتدأ أمر الإسلام بهما فكان المسلمون في مكة لا يخاطبون إلا بعقائد وأخلاق؛ لأن تكوين العقيدة وتقويم الخلق هما الأساس الذي يبنى عليها كل تشريع وتقنين.

وأما النوع الثالث وهو الأحكام العملية، فهذا هو الفقه وهو المراد من الأحكام عند الإطلاق، ومن تتبع فقه القرآن والسنة وجد أن كل فرع من فروع القوانين له في القرآن مواد تخصه وتبين أحكامه.

<<  <   >  >>