للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحجتهم في الرجوع إلى القرآن والسنة ما ورد في آيات كثيرة من الأمر بطاعة الله والرسول، ورد المتنازع فيه إلى الله والرسول، والتسليم لما قضى به الله والرسول.

وحجتهم في الرجوع إلى اجتهادهم ما شاهدوه من الرسول حين كان يرجع إلى اجتهاده إذا لم ينزل عليه بالتشريع وحي إلهي، ما ورد من أن رسول الله لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال له: "بم تقضي"؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال: "فإن لم تجد"؟ قال: أقضي بسنة رسول الله، قال: "فإن لم تجد"؟ قال: أجتهد رأيي؛ فأقره الرسول وحمد الله على توفيقه. وما فهموه من تعليل بعض الأحكام في نصوص القرآن والسنة، فإنهم فهموا من هذا أن المقصود من تشريع الأحكام تحقيق مصالح الناس، وأنه كلما دعت المصالحة إلى التشريع وجب على المسلمين أن يشرعوا ما يحققها.

لهذه البراهين اتفقت كلمة المفتين من الصحابة على الرجوع إلى هذه المصادر التشريعية الثلاثة، وعلى ترتيب الرجوع إليها كما ذكرنا.

ما طرأ على مصادر التشريع:

وقد طرأ في هذا العهد على المصدر الأول، وهو آيات الأحكام في القرآن، طارئ له أثر تشريعي خالد، وهذا الطارئ هو تدوين هذه الآيات في ضمن تدوين القرآن، ونشرها على المسلمين كافة بطريق قانوني رسمي بحيث صار ميسورًا لكافة المسلمين أينما كانوا حفظها، والعلم بنصوصها من غير اختلاف في مفرد أو جملة، وذلك أن رسول الله في حياته اتخذ كتابا لتدوين ما يوحى إليه من القرآن، فكان إذا أوحي إليه بآية أو آيات من القرآن قرأها على المسلمين، فيكتبها من حضر من كتاب وحيه، ويكتبها من حرص على أن يكتب لنفسه من صحابته، ويحفظها منهم عدد كثير، وقد توفي الرسول وكل آيات القرآن مدونة، وكثير من أصحابه يحفظونه كله أو بعضه، ولكن هذا التدوين في حياة الرسول تارة كان على الورق، وتارة كان على بعض الأحجار الرقيقة البيضاء وتارة كان على سعف النخل، وكان كل كاتب من كتاب الوحي، عنده مجموعة مما كتب، وكذلك عند بعض الصحابة وفي بيت الرسول، ولم تكن من هذه المدونات مجموعة واحدة.

<<  <   >  >>