للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين التفسير بالدراية، والتفسير بالرواية، فأجاد فى باب الدراية، وتوسَّع فى باب الرواية، وقد ذكر مؤلفه فى مقدمته أنه شرع فيه فى شهر ربيع الآخر من شهور سنة ثلاث وعشرين بعد المائتين والألف من الهجرة النبوية، وفرغ منه فى شهر رجب سنة تسع وعشرين بعد المائتين والألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل السلام وأزكى التحية. كما ذكر أنه اعتمد فى تفسيره هذا على أبي جعفر النحاس، وابن عطية الدمشقى، وابن عطية الأندلسى، والقرطبى، والزمخشرى، وغيرهم.

* *

[طريقة الشوكانى فى تفسيره]

وطريقة الشوكانى التى سلكها فى تفسيره يكفينا فى بيانها عبارته التى ذكرها فى مقدمة هذا التفسير مبيناً بها منهجه فيه.

قال رحمه الله: "ووطنت النفس على سلوك طريقة هى بالقبول عند الفحول حقيقة، وها أنا أوضح لك منارها، وأبين لك إيرادها وإصدارها، فأقول: إن غالب المفسِّرين تفرَّقوا فريقين، وسلكوا طريقين، الفريق الأول: اقتصروا فى تفاسيرهم على مجرد الرواية، وقنعوا برفع هذه الراية، والفريق الآخر: جردوا أنظارهم إلى ما تقتضيه اللُّغة العربية، وما تفيده العلوم الآلية، ولم يرفعوا إلى الرواية رأساً، وإن جاءوا به لم يصحوا لها أساساً، وكلا الفريقين قد أصاب، وأطال وأطاب، وإن رفع عماد بيت تصنيفه على بعض الأطناب، وترك منها ما لا يتم بدونه كمال الانتصاب".

ثم قال بعد أن دلل على قوله هذا: "وبهذا يُعرف أنه لا بد من الجمع بين الأمرين، وعدم الاقتصار على مسلك أحد الفريقين، وهذا هو المقصد الذى وطنت نفسى عليه، والمسلك الذى عزمت على سلوكه إن شاء الله، مع تعرضى للترجيح بين التفاسير المتعارضة مهما أمكن واتضح لى وجهه، وأخذى من بيان المعنى العربى والإعرابى والبيانى بأوفر نصيب، والحرص على إيراد ما ثبت من التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الصحابة، أو التابعين، أو تابعيهم، أو الأئمة المعتمدين، وقد أذكر ما فى إسناده ضعف، إما لأن فى المقام ما يقويه، أو لموافقته للمعنى العربى. وقد أذكر الحديث معزواً إلى راويه من غير بيان حال الإسناد، لأنى أجده فى الأصول التى نقلت عنها كذلك، كما يقع فى تفسير ابن جرير والقرطبى وابن كثير والسيوطى، وغيرهم، ويبعد كل البُعد أن يعلموا فى الحديث ضعفاً ولا يبينوه، ولا ينبغى أن يُقال فيما أطلقوه: إنهم قد علموا ثبوته، فإن من الجائز أن ينقلوه من دون كشف عن حال الإسناد، بل هذا هو الذى يغلب به الظن، لأنهم لو كشفوا عنه فثبت عندهم صحته لم يتركوا بيان ذلك، كما يقع منهم كثيراً التصريح بالصحة أو الحُسن، فمَن وجد الأصول التى يروون عنها، ويعزون ما فى تفاسيرهم إليها. فلينظر إلى أسانيدها موفقاً إن شاء الله.

"واعلم أن تفسير السيوطى المسمى بالدر المنثور، قد اشتمل على غالب ما فى تفاسير السَلَف من التفاسير المرفوعة إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وتفاسير الصحابة ومَن بعدهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>