للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على طهارة فروحه عند ربه، فيُعَظِّم هناك حُرمة الله، فيكون الخير الذى له فى مثل هذا الموطن المبشرة التى تحصل له فى نومه أو يراها له غيره. والمواطن التى يكون العبد فيها عند ربه كثيرة فيُعَظِّم فيها حُرمات الله على الشهود".

* *

[التفسير الصوفى النظرى فى الميزان]

من هذه الأمثلة السابقة كلها نستطيع أن نقرر فى صراحة واطمئنان: أن التفسير الصوفى النظرى تفسير يخرج بالقرآن - فى الغالب - عن هدفه الذى يرمى إليه!!.. يقصد القرآن هدفاً معيناً بنصوصه وآياته، ويقصد الصوفى هدفاً معيناً بأبحاثه ونظرياته. وقد يكون بين الهدفين تنافر وتضاد، فيأبى الصوفى إلا أن يُحوِّل القرآن عن هدفه ومقصده، إلى ما يقصده هو ويرمى إليه، وغرضه بهذا كله: أن يروج لتصوفه على حساب القرآن، وأن يقيم نظرياته وأبحاثه على أساس من كتاب الله، وبهذا الصنيع يكون الصوفى قد خدم فلسفته التصوفية ولم يعمل للقرآن شيئاً، اللهم إلا هذا التأويل الذى كله شر على الدين وإلحاد فى آيات الله!!

رأينا ابن عربى يميل ببعض الآيات إلى مذهبه القائل بوحدة الوجود، ورأينا غيره كأبى يزيد البسطامى، والحلاج، وغيرهما، يسلك هذا المسلك نفسه أو قريباً منه. ووحدة الوجود - عندهم - معناها أنه ليس هناك إلا وجود واحد كل العالَم مظاهر ومجال له، فالله سبحانه هو الموجود الحق، وكل ما عداه ظواهر وأوهام، ولا توصف بالوجود إلا بضرب من التوسع والمجاز، وهذه النظرية سرت إلى بعض المتصوفة عن طريق الفلاسفة، وعن طريق الإسماعيلة الباطنية الذين خالطوهم وأخذوا عنهم مذهبهم القائل بحلول الإله فى أئمتهم، وصوَّروه - أعنى الصوفية - بصورة أخرى تتفق مع مذهب الباطنية فى الحقيقة، وإن اختلفت فى الاصطلاح والألفاظ!

هذا المذهب الذى خَوَّل لمثل الحلاج أن يقول: أنا الله، ولمثل ابن عربى أن يقول: إن عجل بنى إسرائيل أحد المظاهر التى اتخذها الله وحَلَّ فيها، والذى جرَّه فيما بعد إلى القول بوحدة الأديان لا فرق بين سماوى وغير سماوى، إذ الكل يعبدون الإله الواحد المتجلى فى صورهم وصور جميع المعبودات.

هذا المذهب الذى يُذهب بالدين من أساسه.. هل يكون سائغاً ومقبولاً أن نجعله أصلاً نبنى عليه أفهامنا لآيات القرآن الكريم؟.. وهل يليق بابن عربى وهو الأستاذ

<<  <  ج: ص:  >  >>