للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأكبر، أن ينظر من خلاله إلى مثل قوله تعالى فى الآيتين [٦-٧] من سورة البقرة: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} .

فيقول شارحاً لهذا النص القرآنى: "يا محمد؛ إن الذين كفروا ستروا محبتهم فى، دعهم فسواء عليهم أأنذرتهم بوعيدك الذى أرسلتك به، أو لم تنذرهم لا يؤمنون بكلامك، فإنهم لا يعقلون غيرى، وأنت تنذرهم بخلقى وهم ما عقلوه ولا شاهدوه، وكيف يؤمنون بك وقد ختمت على قلوبهم فلم أجعل فيها متسعاً لغيرى، وعلى سمعهم فلا يسمعون كلاماً فى العالَم إلا منى، وعلى أبصارهم عشاوة من بهائى عند مشاهدتى، فلا يبصرون سواى، ولهم عذاب عظيم عندى ... أردهم بعد هذا المشهد السنى إلى إنذارك وأحجبهم عنى، كما فعلتُ بك بعد قاب قوسين أو أدنى قُرْباً.. أنزلتك إلى مَن يُكّذِّبك، ويرد ما جئتَ به إليه منى فى وجهك، وتسمع فىَّ ما يضيق له صدرك، فأين ذلك الشرح الذى شاهدته فى إسرائك؟ فهكذا أمنائى على خلقى الذين أخفيتهم رضاى عنهم".

وهل يجدر بمثل هذا الصوفى الكبير أن يتأثر بمذهبه فى وحدة الوجود فيقول فى قوله تعالى فى الآية [٢٣] من سورة الإسراء: {وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ} : ".. فعلماء الرسوم يحملون لفظ "قضى" على الأمر، ونحن نحمله على الحكم كشفاً وهو الصحيح، فإنهم اعترفوا أنهم ما يعبدون هذه الأشياء إلا لتقربهم إلى الله زُلْفى، فأنزلهم منزلة النواب الظاهر بصورة مَن استنابهم، وما ثَمَّ صورة إلا الأُلوهية فنسبوها إليهم. ولهذا يقضى الحق حوائجهم إذا توسلوا بها إليه غيرة منه على المقام أن يُهتضم، وإن أخطأوا فى النسبة فما أخطأوا فى المقام، ولهذا قال: {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ} .. أى أنتم قلتم عنها إنها آلهة، وإلا فسَمُّوهم، فلو سموهم لقالوا: هذا حجر، أو شجر، أو ما كان، فتتميز عندهم بالإسمية، إذا ما كل حجر عُبِد ولا اتُخِذ إلهاً، ولا كل شجر، ولا كل جسم منير، ولا كل حيوان، فلله الحُجَّة البالغة عليهم بقوله: {قُلْ سَمُّوهُمْ} ..

وأصرح من هذا أنه لما عرض لقوله تعالى فى الآية [١٦٣] من سورة البقرة: {وإلاهكم إلاه وَاحِدٌ} .. قال: "إن الله تعالى خاطب فى هذه الآية المسلمين، والذين عبدوا غير الله قُربة إلى الله، فما عبدوا إلا الله، فلما قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى} فأكدوا ذكر العِلَّة، فقال الله لنا: إن إلهكم والإله الذى يطلب

<<  <  ج: ص:  >  >>