للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجعلوا منها شروحاً لمبهمات القرآن، بل وجدناه على العكس من ذلك نفوراً منها، وشروداً من الخوض فيها، لاعتقاده أن الله تعالى لم يكلفنا بالبحث عن الجزئيات والتفصيلات لما جاء به مبهماً فى كتابه، ولو أراد منا ذلك لدلنا عليه فى كتابه أو على لسان نبيه، وهو يُصَرِّح بأن هذا هو "مذهبه فى جميع مبهمات القرآن يقف عند النص القطعى لا يتعداه، ويثبت أن الفائدة لا تتوقف على سواه".

وإذا نحن تتبعنا أقواله فى مبهمات القرآن وجدناه محافظاً على هذا المبدأ، لا يعدل عنه ولا يحيد، إلا فى مواضع قليلة نادرة.

فمثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآيتين [١٠، ١١] من سورة الانفطار: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ} .. نجده يقول: "ومن الغيب الذى يجب علينا الإيمان به ما أنبأنا به فى كتابه: أن علينا حَفَظَة يكتبون أعمالنا حسنات وسيئات، ولكن ليس علينا أن نبحث عن حقيقة هؤلاء، ومن أى شىء خُلِقوا، وما هو عملهم فى حفظهم وكتابتهم، هل عندهم أوراق وأقلام ومداد كالمعهود عندنا ... وهو يبعد فهمه؟ أو هناك ألواح تُرسم فيها الأعمال؟ وهل الحروف والصور التى تُرسم هى على نحو ما نعهد؟ أو إنما هى أرواح تتجلى لها الأعمال فتبقى فيه بقاء المِداد فى القِرطاس إلى أن يبعث الله الناس؟ كل ذلك لا نُكَلَّف العلم به، وإنما نُكَلَّف الإيمان بصدق الخبر وتفويض الأمر فى معناه إلى الله، والذى يجب علينا اعتقاده من جهة ما يدخل فى عملنا، هو: أن أعمالنا تُحفظ وتُحصى، لا يضيع منها نقير ولا قطمير".

ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٤] وما بعدها من سورة البروج: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود} ... . إلى آخر القصة يقول: "أما تعيين أصحاب الأُخدود، وأنَّى كانوا؟ ومَن هم أُولئك المؤمنون؟ وأين كان منزلهم من الأرض؟ فقد كثرت فيه الروايات، والأشهر أن المؤمنين كانوا نصارى نجران، عندما كان دينهم دين التوحيد، ليس فيه حدث ولا بدعة، وأن الكافرين كانوا أُمراء اليمن، أو اليهود الذين لا يبعدون عن هؤلاء فى حقيقة الوثنية، غير أن المؤمن لا يحتاج فى الاعتبار وإشعار الموعظة قلبه إلى أن يعرف القوم، والجهة، وخاصة الدين الذى كان عليه أولئك أو هؤلاء، حتى يطير وراء القصص المشحونة بالمبالغات، والأساطير المحشوة بالخرافات، وإنما الذى عليه: هو أن يعرف من القصة ما ذكرناه أولاً، ولو علم الله خيراً فى أكثر من ذلك لتفضَّل علينا به".

ومثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآيتين [٦، ٧] من سورة الفجر: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العماد} .. نجده يقول: "وقد يروى المفسِّرون هنا حكايات

<<  <  ج: ص:  >  >>