للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحوج الأمم إلى تناول شيء من المعايش، لسوء حالهم وشظف عيشهم. فسار جمع عظيم منهم في البحر، من ناحية بلاد عبد القيس والبحرين وكاظمة [١] ، حتى أناخوا براشهر [٢] وسواحل أردشير خرّه، وأسياف [٣] فارس، وغلبوا أهلها على [١٣٢] مواشيهم وحروثهم ومعايشهم، وأكثروا الفساد في تلك البلاد، ومكثوا بذلك حينا لا يغزوهم أحد من الفرس لقلّة الهيبة، وانتشار الأمر، وكثرة المدبّرين، ولأنّ الملك طفل، حتى ترعرع سابور، وجعل الوزراء يعرضون عليه أمر الجنود التي في الثغور، ووردت الأخبار بأنّ أكثرهم قد أحلّ. وعظّموا عليه الأمر بعد الأمر. وكان ممّن عرض عليه، أمر الجنود التي في الثغور، ومن كان منهم بإزاء الأعداء، وأنّ الأخبار وردت بإحلال أكثرهم. وهوّلوا عليه الخطب في ذلك.

فقال لهم سابور: «لا يكبرنّ عليكم هذا، فانّ الحيلة فيه يسيرة» ، وأمر بالكتاب إلى أولئك الجنود بأنه:

- «انتهى إلىّ طول مكثكم في النواحي التي أنتم فيها، وعظم غناءكم عن إخوانكم وأوليائكم، فمن أحبّ منهم الانصراف إلى أهله، فلينصرف مأذونا له في ذلك، ومن أحبّ أن يستكمل الفضل بالصبر في موضعه عرف له ذلك.» وتقدّم إلى من اختار الانصراف، في لزوم أهله وبلاده إلى وقت [١٣٣] الحاجة إليه.

فلمّا سمع الوزراء ذلك من قوله ورأيه، استحسنوه وقالوا: «لو كان هذا قد أطال تجربة الأمور وسياسة الجنود، ما زاد رأيه على ما سمعنا منه.» ثم تتابعت آراؤه في تقويم أصحابه وقمع أعدائه، حتى إذا تمّت له ست عشرة سنة، وأطاق حمل السلاح وركوب الخيل، واشتدّ عظمه، جمع إليه رؤساء أصحابه وأجناده،


[١] . كاظمة: جوّ على سيف البحر في طريق البحرين من البصرة، بينها وبين البصرة مرحلتان (مع) .
[٢] . راشهر (ريشهر) : مدينة إزاء بوشهر (لج) . ناحية من كورة أرجان (مع) .
[٣] . الأسياف: جمع مفرده السيف: ساحل البحر، ساحل الوادي.

<<  <  ج: ص:  >  >>