للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك كلّم عيسى بن موسى فى تقديم ابنه المهدىّ عليه برقيق الكلام ولطيفه فقال عيسى:

- «يا أمير المؤمنين، فكيف بالأيمان والمواثيق التي علىّ وعلى المسلمين لى من الطلاق والعتق وغير ذلك من مؤكّد الأيمان، ليس إلى ذلك سبيل يا أمير المؤمنين.» فلمّا رأى أبو جعفر ذلك باعده بعض المباعدة، وقصّر به فى منزلته، فكان يؤذن لعيسى بعد جماعة، ويجلس دون منزلته، وكان مرتبته عن يمين أبى جعفر. ثمّ يخلّط عليه فى أمثال هذه الأشياء، وعيسى صامت لا يتشكّى ولا يستغيث [١] . ثمّ صار إلى أغلظ من ذلك فكان يكون فى المجلس ومعه بعض ولده فيسمع الحفر فى أصل الحائط ويخاف أن يخرّ عليه، وينتثر عليه التراب وربّما [٤٦٢] نظر إلى الخشبة من سقف المجلس الذي يجلس فيه قد حفر عن أحد طرفيها فيسقط التراب على قلنسوته وثيابه، فيأمر من معه من ولده بالتحوّل ويقوم هو إلى الصلاة، ثمّ يأتيه الإذن فيقوم بهيئته والتراب عليه لا ينفضه، فإذا رآه المنصور قال له:

- «يا عيسى، ما يدخل علىّ أحد بمثل هيأتك من كثرة الغبار والتراب عليك، أفكلّ هذا من الشارع؟» فيقول:

- «أحسب ذاك يا أمير المؤمنين.» وإنّما يكلّمه بذلك يستطمعه أن يشكو إليه شيئا، فلا يشكو.

وكان المنصور قد أرسل إليه فى بعض أحواله بعض ما يتلفه من السموم، أو دسّه إليه بحضرته، فنهض من المجلس، فقال له المنصور:


[١] . فى الطبري (١٠: ٣٣٢) : لا يسعتب. فى حواشيه: لا يستغيث (كالأصل) .

<<  <  ج: ص:  >  >>