للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- «أيّها الأمير، إنّ جندك قد هابوا هذا الجيش وامتلأت قلوبهم خوفا ورعبا منه. فلو أقمت حتّى تشامّهم أصحابك ودافعت بالقتال إلى أن يأنسوا بهم ويعرفوا وجه المأخذ فى قتالهم.» فقال: «إنّى لا أوتى من تجربة وحزم، وإنّ أصحابى قليل والقوم عظيم سوادهم كثير عددهم. فإن دافعت بالقتال وأخّرت المناجزة لم آمن أن يطّلعوا على قلّتنا وعورتنا وأن يستميلوا من معى برغبة أو رهبة فينفضّ عنّى أصحابى ويخذلني أهل الحفاظ والصبر ولكن ألفّ الرجال بالرجال وألحم الخيل بالخيل واعتمد على الطاعة والوفاء وأصبر، فإن يرزق الله الظفر والفلج فذلك الذي نريد ونرجو، وإن تكن الأخرى فلست بأوّل من قاتل فقتل وما عند الله أجزل وأفضل.» وقال علىّ بن عيسى لأصحابه:

- «بادروا القوم، فإن عددهم قليل ولو قد زحفتم إليهم لم يصبروا على حرارة السيوف ووقع السهام وطعن الرماح.» وعبّأ [١] جنده ميمنة وميسرة وقلبا وصيّرها كثيفة عظيمة، ثمّ نصب عشر رايات فى كلّ راية ألف رجل. [٦٧] وقدّم الرايات راية راية وصيّر بين كلّ راية وراية غلوة [٢] وأمر أمراءها إذا قاتلت الراية الأولى فصبرت وجمّت وطال بها القتال، أن تقدّم التي تليها وتتأخّر التي قاتلت، حتّى ترجع إليها أنفسها وتستريح وتنشط للمحاربة والمعاودة.

ثمّ صيّر أصحاب الدروع والجواشن والخبرة أمام الرايات. ووقف فى القلب فى غرر أصحابه أهل البأس والحفاظ والنجدة منهم، وكتّب طاهر بن الحسين كتائبه وجعلهم كراديس صفوفا، وجعل يمرّ بقائد قائد وجماعة


[١] . الضبط فى الأصل: عبّى.
[٢] . الغلوة: مسافة بقدر رمية سهم، أبعد ما تقدر عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>