للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جالس عن يمينه. فأمرنى فجلست نجوة منه [١] فإذا هو وأبو إسحاق مدلّيان أرجلهما فى البذندون. فقال:

- «يا سعيد دلّ رجلك فى الماء وذقه، هل رأيت قطّ ماء أشدّ بردا ولا أعذب وأصفى صفاء منه؟» ففعلت وقلت:

- «يا أمير المؤمنين ما رأيت مثل هذا قطّ.» قال: «أىّ شيء يطيب أن يؤكل ويشرب هذا الماء عليه؟» فقلت: «أمير المؤمنين أعلم.» فقال: «رطب الآزاذ.» فبينا هو يقول هذا إذ سمع وقع لجم البريد، فالتفت فإذا بغال البريد على أعجازها حقائب فيها الألطاف، فقال لخادم له:

- «اذهب فانظر [١٩٣] هل فى هذه الألطاف رطب، فإن كان فيها الرطب فانظر فإن كان آزاذا فأت به.» فجاء يسعى بسلّتين فيهما [٢] رطب آزاذ كأنّما جنى من النخل تلك الساعة، فأظهر شكر الله عزّ وجلّ، وكثر تعجبنا منه، فقال:

- «ادن فكل.» فأكل هو وأبو إسحاق وأكلت معهما وشربنا جميعا من ذلك الماء، فما قام منّا أحد إلّا وهو محموم فكانت منيّة المأمون من تلك العلّة ولم يزل المعتصم عليلا حتّى دخل العراق ولم أزل عليلا حتّى كان قريبا.

ولمّا اشتدّت بالمأمون علّته بعث إلى ابنه العبّاس وهو يظنّ أن لن يأتيه لشدّة مرضه، فأتاه وأقام عند أبيه وقد أوصى قبل ذلك إلى أخيه أبى إسحاق،


[١] . كذا فى الأصل: «نجوة منه» بالجيم المعجمة، فى مط وآ، وتد (٤٦٧) : نحوه منه.
[٢] . فى الأصل وآ ومط وتد (٤٦٧) : فيها. والتصحيح من الطبري (١١: ١١٣٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>