للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان المعتصم يأمر بإطلاق الشيء لندمائه ومغنّيه، فلا ينفذ الفضل، وربّما رادّه فى الشيء إدلالا عليه وأنسا به، وكان قد نزل منه وحلّ من قلبه المحلّ الذي لا يحدّث أحد نفسه بملاحظته فضلا عن منازعته ولا فى الاعتراض عليه إذا أراد شيئا أو حلم به، فكانت هذه المنزلة تحمله على الدالّة حتّى كان يخالفه ويمنعه بعض أمره وبعض المال الذي [٢٠٩] يصرفه فى مهمّه.

فحكى عن أحمد بن أبى دؤاد أنّه قال: كنت أحضر مجلس المعتصم فكثيرا ما كنت أسمعه يقول للفضل بن مروان:

- «احمل إلىّ كذا من الدراهم.» فيقول: «ما عندي.» فيقول: «فاحتلها من وجه، فليس منها بدّ.» فيقول: «ومن أين أحتالها ومن أين وجهها ومن يعطيني هذا القدر؟» فكان ذلك يسوءه وأعرفه فى وجهه فلمّا كثر هذا من فعله ركبت يوما إليه فقلت له مستخليا به:

- «يا أبا العبّاس إنّى أعرف أخلاقك، وعلى ذاك ما أدع نصيحتك وأداء ما يجب علىّ من حقّك. وقد أراك كثيرا ما تردّ على أمير المؤمنين أجوبة غليظة ترمضه وتقدح فى قلبه والسلطان لا يحتمل هذا لابنه، لا سيّما إذا كثر ذلك وغلظ.» قال: «وما ذاك يا با عبد الله؟» قلت: «أسمعه كثيرا، كثيرا [١] ما يقول لك: نحتاج إلى كذا من المال لنصرفه فى وجه كذا، فتقول من يعطيني هذا وهذا ما لا تحتمله الملوك.» قال: «فما أصنع إذا طلب منّى ما ليس عندي؟»


[١] . تكرّر فى الأصل ومط دون آ.

<<  <  ج: ص:  >  >>