للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفراسته [٣٨٣] نزق الحداثة وسكر الشباب وجرأة القدرة، فتطلعت نفسه إلى اظهار الزينة الكثيرة واستخدام الديلم والأتراك والاحتشاد [١] فى المواكب التي يركب فيها واتخاذ الدعوات لصاحبه وسائر عسكره التي يلتزم فيها الخلع والحملان على الدواب والمراكب والإسراف فى الصلات والنفقات تشبّها بوزراء عزّ الدولة بختيار الذين لا خبرة لهم بعواقب الأمور ولا نظر لهم فى مصالح الملك وإنّما همة أحدهم فى تناول شهواته والوصول إلى لذّاته وإثارة غيظ حسّادهم بإظهار الزينة التي فوق طاقته.

وليس يعلم أنّ أول من ينكر ذلك فى نفسه وإن لم يبده له صاحبه فهو يحسده على مساواته له وعلى تمكنه مما يتمكن هو منه ثم مزاحمته له فى الاستظهار والجمع وتبذير الأموال التي يرى أنّه أحق بها منه ثم خوفه من ميل الجند إليه وإجماعهم على جوده وسخائه واعتدادهم بما يصل إليهم له دون صاحبهم وولىّ نعمهم.

فكان أبو الفتح ابن العميد يسرف فى ركوب هذه الأهواء ويحب أن يبلغ غاية ما يقدر عليه منها فجلب عليه ذلك ضروب الحسد من ضروب السلاطين وأصحاب السيوف والأقلام فكان صاحبه ركن الدولة قد شاخ وسئم ملابسة أمور الجند وأحب الراحة والدعة ففوض إليه الأمور ورآه شابّا [٣٨٤] قد استقبل الدنيا استقبالا فهو يحب التعب الذي قاساه ركن الدولة ثم ملّه ويستلذّ فيه الانتصاب للأمر والنهى ومخالطة الجند والركوب إلى الصيد ومشى خواص الديلم وكبار الجند بين يديه ثم مشاربتهم [٢] ومؤانستهم والإحسان إليهم بالخلع والحملان.

فأول من أنكر عليه هذا الفعل عضد الدولة ومؤيد الدولة ابنا ركن الدولة


[١] . كذا فى الأصل ومط. والمثبت فى مد: الاحتشار.
[٢] . فى مط: مشاورتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>